Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
منها أن العبد لو كان قادرا على فعله إيجادا واختراعا لكان قادرا على إعادته واللازم منتف إجماعا وجه اللزوم أن إمكان القدرة منه يستلزم ماهيته لا يختلف باختلاف الأوقات ولهذا يصح الاستدلال على قدرة الله على الإعادة بقدرته على الابتداء كما نطق به التنزيل احتجاجا على منكري الإعادة بالنشأة الأولى والاعتراض بمنع إمكان إعادة المعدوم مستندا بأنه يجوز أن يكون خصوصية البدء شرطا أو خصوصية العود مانعا أو يمنع عدم قدرة العبد على الإعادة ليس بشيء لأن الخصم معترف بالمقدمتين ومنها أنه لو كان قادرا على إيجاد فعله لكان قادرا على إيجاد مثله لأن حكم الأمثال واحد لكنا نقطع بأنه يتعذر علينا أن نفعل الآن مثل ما فعلناه سابقا بلا تفاوت وإن بذلنا الجهد في التدبر والاحتياط ومنها أنه لو كان قادرا على إيجاد فلعله لكان قادرا على إيجاد كل ممكن من الأجسام والأعراض لأن المصحح للمقدورية هو الإمكان أو الحدوث والمقدور هو إعطاء الوجود ولا تفاوت في شيء منها باعتراف الخصم ولا يرد النقض بالقدرة الاكتسابية لأنها إنما تتعلق بالذوات وأحوالها وهي مختلفة ومنها أن من فعل العبد الإيمان والطاعات وكثيرا من الحسنات ومن خلق الله تعالى الأجسام والأعراض والشياطين وكثير من المؤذيات ولا شك أن الأول أحسن من الثاني وأشرف فلو كان العبد خالقا لفعله لكان أحسن وأشرف من الله تعالى خلقا وإصلاحا وإرشادا فإن قيل القدرة على الإيمان أحسن وأوضح وأصلح من الإيمان لتوقفه عليها وهي بخلق الله تعالى قلنا فيلزم أن تكون القدرة على الشر والتمكن منه شرا من الكفر وأقبح منه ومنها أن الأمة مجمعون على صحة تضرع العبد إلى الله تعالى في أن يرزقه الإيمان والطاعة ويجنبه الكفر والمعصية ولولا أن الكل بخلق الله تعالى لما صح ذلك إذ لا وجه لحمله على سؤال الأقدار والتمكين لأنه حاصل أو التقرير والتثبيت لأنه عائد إلى الحصول في الزمان الثاني وذلك عندهم بقدرة العبد ومنها أن الأمة مجمعون على صحة بل وجوب حمد الله وشكره على نعمة الإيمان نفسه ولا يتصور ذلك إلا إذا كان بخلقه وإعطائه وإن كان لكسب العبد مدخل فيه فأما الشكر على مقدماته من الأقدار والتمكين والتوفيق والتعريف ونحو ذلك فشيء آخر فإن قيل لو استحق بخلق الإيمان المدح لا يستحق بخلق الكفر الذم قلنا ممنوع فإن من شأنه استحقاق المدح والشكر بخلق الحسنات وإيصال النعم لا الذم بخلق القبائح وإرسال النقم لأنه المالك فله الأمر كله لا يقبح منه خلق القبيح فإن قيل فعندكم الإيمان مخلوق الله تعالى وعندهم مخلوق العبد وقد ذكر في بعض الفتاوى أن من قال الإيمان مخلوق كفر فما وجهه قلنا وجهه ما أشار إليه أبو المعين النسفي رحمه الله من أن الإيمان ليس كله من الله إلى العبد على ما هو الجبر ولا من العبد إلى الله على ما هو القدر بل من الله التعريف والتوفيق والهداية والإعطاء ومرجعها إلى التكوين وهو غير مخلوق ومن العبد المعرفة والقصد والاهتداء والقبول وهي مخلوقة هذا والأوجه أن يمحى من الكتاب ويثبت ما هو الصواب ثم لا يخفى ما في الوجوه المذكورة من وجوه الضعف والأولى التمسك بالكتاب والسنة وإجماع أهل الحق من الأمة لا بمعنى إثباته في نفسه بمحض الإجماع ليرد أن الحقائق العقلية مثل حدوث العالم وقدم الصانع لا يثبت بالإجماع بل بمعنى أن إجماعهم عليه يدل على أن لهم قاطعا فيه وإن لم نعرفه على التفصيل قال وأما السمعيات فكثيرة جدا فإن قيل التمسك بالكتاب والسنة يتوقف على العلم بصدق كلام الله تعالى وكلام الرسول عليه ودلالة المعجزة وهذا لا يتأتى مع القول بأنه خالق لكل شيء حتى الشرور والقبائح وأنه لا يقبح منه اللبيس والتدليس والكذب وإظهار المعجزة على يد الكاذب ونحو ذلك مما يقدح في وجوب صدق كلامه وثبوت النبوة ودلالة المعجزات قلنا العلم بانتفاء تلك القوادح وإن كانت ممكنة في نفسها من العاديات الملحقة بالضروريات على أن هذا الاحتجاج إنما هو على المعترفين بحجية الكتاب والسنة والمتمسكين بهما في نفي كونه خالقا للشرور والقبائح وأفعال العباد فلو توقف حجيتهما على ذلك كان دورا قال منها ما ورد في معرض التمدح جعل الأدلة السمعية على هذا المطلوب أنواعا باعتبار خصوصيات تكون للبعض منها دون البعض مثل الورود بلفظ الخلق لكل شيء أو لعمل العبد خاصة أو بلفظ الجعل أو الفعل أو بغير ذلك فمن الوارد بلفظ الخلق لكل شيء قوله تعالى
﴿لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه﴾
تمدحا واستحقاقا للعبادة فلا يصح الحمل على أنه خالق لبعض الأشياء كأفعال نفسه لأن كل حيوان عندكم كذلك بل يحمل على العموم فيدخل فيه أعمال العباد ويخرج القديم بدليل العقل والقطع بأن المتكلم لا يدخل في عموم مثل أكرمت كل من دخل الدار فيكون بمنزلة الاستنثاء فلا يخل بقطعية العام عند من يقول بكونه قطعيا وكذا قوله تعالى
﴿أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار﴾
تمسكا بالعموم وبأنه إذا جعل كخلقه في موضع المصدر كما هو الظاهر فقد يفيد خلق كل أحد مثل خلقه في الجملة وقوله تعالى
﴿ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا﴾
تمسكا بالعموم وبأن قوله وخلق كل شيء إزالة لما يتوهم من أن العبيد وإن لم يكونوا شركاء له في الملك على الإطلاق لكنهم يخلقون بعض الأشياء وإلا لكان ذكره بعد نفي الشريك مستدركا قطعا وقوله تعالى
﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾
اي خلقنا كل موجود ممكن من الممكنات بتقدير وقصد أو على مقدار مخصوص مطابق للغرض والمصلحة ولإفادة هذا المعنى كان المختار نصب كل شيء إذ لو رفع لتوهم أن خلقناه صفة وبقدر خبر والمعنى أن كل شيء خلقناه فهو بقدر فلم يفد أن كل شيء مخلوق له بل ربما أفاد أن من الأشياء مالم يخلقه فليس بقدر وبما أشرنا إليه من كون الشيء اسما للموجود أو مقيدا به اندفع ما قيل أنه لا بد من تقييد الشيء بالمخلوق على تقدير النصب أيضا لأنه لم يخلق مالا يتناهى من الممكنات مع وقوع اسم الشيء عليه وحينئذ لا يبقى فرق بين النصب والرفع ولا بين جعل خلقنا خبرا أو صفة على أنه لو سلم التقييد بالمخلوق فالفرق ظاهر لأن الخبر يفيد أن كل مخلوق مخلوق له بخلاف الصفة قال ومنها قوله تعالى
﴿والله خلقكم وما تعملون﴾
أما إذا كانت ما مصدرية على ما اختاره سيبويه لاستغنائه عن الحذف والإضمار فالأمر ظاهر لأن المعنى وخلق عملكم وأما إذا كانت موصولة على حذف الضمير أي وخلق ما تعملونه بقرينة قوله تعالى
﴿أتعبدون ما تنحتون﴾
توبيخا لهم على عبادة ما عملوه من الأصنام فلأن كلمة ما عامة يتناول ما يعملونها من الأوضاع والحركات والمعاصي والطاعات وغير ذلك فإن المراد بأفعال العباد المختلف في كونها بخلق العبد أو بخلق الرب هو ما يقع بكسب العبد ويستند إليه مثل الصوم والصلاة والأكل والشرب والقيام والقعود ونحو ذلك مما يسمى الحاصل بالمصدر لا نفس الإيقاع الذي هو من الاعتبارات العقلية ألا يرى إلى مثل يقيمون الصلاة ويفعلون الزكاة يعملون الصالحات والسيئات وهذه النكتة مما غفل عنها الجمهور فبالغوا في نفي كون ما موصولة حتى صرح به الإمام بأن مثل ما تنحتون وما يأفكون في قوله تعالى
﴿فإذا هي تلقف ما يأفكون﴾
مجاز دفعا للاشتراك وأما اعتراضهم بأن الآية حجة عليكم لا لكم حيث أسند العبادة والنحت والعمل إلى المخاطبين فجهل بالمتنازع قال ومنها قوله تعالى
﴿هو الله الخالق﴾
هذه الآيات صرح فيها بلفظ الخلق إلا أن في دلالتها على المطلوب نوع احتمال وخفاء فلهذا جعلها نوعا آخر فقوله هو الله الخالق إنما يفيد حصر الخالقية في الله إذا كان الخالق خبرا وهو ضمير الشأن أو ضميرا مبهما يفسره الله وأما إذا كان الخالق صفة فذكرالإمام أنه لما كان الله علما والعلم لا يدل إلا على الذات المخصوصة بمنزلة الإشارة لم يجز أن يكون الحكم عائدا إليه إذ لا معنى لقولنا أن هذا المعين ليس إلا هذا المعين ولزم أن يكون عائدا إلى الوصف على معنى أنه الخالق لا غيره وفيه ضعف لا يخفى على العارف بأساليب الكلام وقوله تعالى
﴿وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق﴾
احتجاج على علمه تعالى بما في القلوب من الدواعي والصوارف والعقائد والخواطر بكونه خالقا لها على طريق ثبوت اللازم أعني العلم بثبوت ملزومه أعني الخلق وفي أسلوب الكلام إشارة إلى أن كلا من اللزوم وثبوت الملزوم واضح لا ينبغي أن يشك فيه ولهذا يستدل بالآية على نفي كون العبد خالقا لأفعاله على طريق نفي الملزوم أعني خلقه لأفعاله بنفي اللازم أعني علمه بتفاصيلها لكن كون ذوات الصدور من قبيل الأفعال الاختيارية التي فيها النزاع محل بحث وكذا دلالة الآية على كون العلم من لوازم الخلق على الإطلاق بل على تقدير كون الخالق هو اللطيف الخبير فليتأمل وقوله تعالى
﴿هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض﴾
لا ينفي خالقا سوى الله على الإطلاق بل بوصف كونه رازقا لنا من السماء والعبد ليس كذلك وأجاب الإمام بأن ملائكة السماء الساعين في إنزال الأمطار رازقون لنا بمعنى التمكين من الانتفاع بأنواع النبات والثمار كما يقال رزق السلطان فلانا فلو كانوا خالقين لأفعالهم لوجد خالق غير الله يرزق من السماء وفيه ضعف وقوله تعالى
﴿والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا﴾
يتناول المسيح والملائكة وغيرهم من الأحياء الذين يدعونهم الكفار فيجب أن لا يخلقوا شيئا أصلا وقوله تعالى
﴿هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه﴾
يدل على أن من سوى الله لم يخلق شيئا وإلا لكان للكفار أن يقولوا نحن خلقنا كثيرا من الحركات والأوضاع والهيئات المحسوسة إن أريد بالإرادة الإبصار وإن اريد الإعلام فجميع الأفعال الظاهرة والباطنة لكن مبنى الوجهين على أن لا يكون الموصول إشارة إلى الأصنام خاصة ومن هذا القبيل قوله تعالى
﴿ألا له الخلق والأمر﴾
﴿خلق لكم ما في الأرض جميعا﴾
﴿وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا﴾
﴿ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى﴾
فإن قيل على الوجوه نحن نجعل العبد موجدا لأفعاله لا خالقا لأن الخلق هو الإيجاد على وجه التقدير العاري عن الخلل وعلى الوجه الذي يقدره وإيجاد العبد ربما يقع على وجه الخلل وعلى خلاف ما قدره قلنا ليس الخلق إلا إيجادا على وجه التقدير أي الإيقاع على قدر مخصوص وفعل العبد ربما يكون كذلك فلو كان هو موجدا له لكان خالقا قال ومنها نحو قوله تعالى حكاية ربنا
﴿واجعلنا مسلمين لك﴾
فإن جعل المتعدي إلى مفعولين يكون بمعنى التصيير أي تحصيل صفة مكان صفة فإذا وقع مفعوله الثاني من أفعال العباد أفاد أنها بجعل الله وبخلقه والمعتزلة يجعلون أمثال هذا مجازا عن التوفيق ومنح الألطاف أو الخذلان ومنعها أو التمكين والأقدار ونحو ذلك إلا أنها من الكثرة والوضوح بحيث لا مجال لهذا التأويلات عند المنصف قال ومنها مثل
﴿فعال لما يريد﴾
هذه آيات تدل على أن الله تعالى يفعل كل ما يتعلق به إرادته ومشيئته وهي متعلقة بالإيمان وسائر الطاعات أيضا فيجب أن يكون فاعلها أي موجدها هو الله تعالى وحمل الكلام على أنه يفعل ما يريد فعله عدول عن الظاهر ( قال ومنها
﴿كل من عند الله﴾
هذه آيات مختلفة الأساليب في إفادة المطلوب فالظاهر من قوله تعالى
﴿وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله﴾
إن جميع الحسنات والسيئات من الطاعات والمعاصي وغيرها بخلق الله ومشيئته لأن منشأ الاحتياج أعني الإمكان والحدوث مشترك بين الكل بحيث لا ينبغي أن يخفى على العاقل فمالهم لا يفهمون ذلك فعلى هذا يكون قوله بعد ذلك
﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾
واردا على سبيل الإنكار أي كيف تكون هذه الفرقة أو محمولا على مجردة السببية دون الإيجاد توفيقا بين الكلامين ومن قوله تعالى
﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾
وقوله تعالى
﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾
أن الإيمان وجميع الطاعات حاصلة من الله وبتكوينه لكونها نعما لنا ومرادة له ومن قوله تعالى
﴿كتب في قلوبهم الإيمان﴾
أنه الذي أثبت الإيمان وأوجده في القلوب ومن قوله تعالى
﴿وأنه هو أضحك وأبكى﴾
أنه يوجد الضحك والبكاء ومن قوله تعالى
﴿هو الذي يسيركم في البر والبحر﴾
أنه الموجد لسيرنا ومن قوله تعالى
﴿ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله﴾
أنه الموجد لوقوف الطير في الهواء مع أنه فعل اختياري من الحيوان وأمثال هذه كثيرة جدا
﴿رب اشرح لي صدري﴾
﴿وما النصر إلا من عند الله﴾
﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا﴾
وتأويلات القدرية عدول عن الظاهر بلا ضرورة لما سيأتي من إبطال أدلتهم القطعية قال ومنها ما تواتر الأحاديث الواردة في باب القضاء والقدر وكون الكائنات بتقدير الله ومشيئته وإن كانت آحادا إلا أنها متواترة المعنى كشجاعة علي رضي الله تعالى عنه وجود حاتم وكلها صحاح بنقل الثقاة مثل البخاري ومسلم وغيرهما وإن وقع في بعضها اختلاف رواية في بعض الألفاظ فمنها ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا وأخرجتنا من الجنة فقال آدم يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى ومنها ما روى علي رضي تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر خيره وشره ومنها ما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء بقدر حتى العجز والكيس ومنها ما روى حذيفة أنه قال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته ومنها قوله عليه السلام ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه وعن جابر رضي الله تعالى عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقيل له يا رسول الله أتخاف علينا وقد آمنا بك وبما حدثت به فقال إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها هكذا وأشار إلى السبابة والوسطى يحركهما والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة قال وأما المعتزلة القائلون بأن أفعال العباد واقعة بخلقهم وإيجادهم استقلالا افترقوا فرقتين فأبو الحسين البصري وأتباعه ادعوا أن هذا الحكم ضروري مركوز في عقول العقلاء المنصفين الخالين عن تقليد أسلافهم وذكروا في ذلك وجوها على قصد التنبيه أو الاستدلال فإنه ربما يكون الحكم ضروريا والحكم بضروريته استدلاليا
الأول أن كل أحد يفرق بالضرورة بين حركاته الاختيارية كالمشي على الأرض والصعود إلى الجبل والاضطرارية كالارتعاش والسقوط من السطح وما ذاك إلا بأن الأولى بقدرته وإيجاده بخلاف الثانية
الثاني أن كل أحد يعلم بالضرورة أن تصرفاته واقعة بحسب قصده وداعيته كالإقدام على الأكل والشرب عند اشتداد الجوع والإحجام عنهما إذا علم أن في الطعام والماء سما ولا معنى لموجد الفعل بالاختيار إلا الذي يحدث منه الفعل على وفق دواعيه
الثالث أن كل عاقل يعلم بالضرورة حسن مدح من أحسن إليه وذم من أساء ولولا أنه يعلم بالضرورة كونه المحدث لتلك الأفعال لما حكم بذلك كما لا يحكم بحسن المدح والذم على ما ليس من أفعاله ولهذا إذا رمى الاقل يذم الرامي لا الآجرة
الرابع أنه يعلم بالضرورة صحة طلب القيام أو المشي من الصحيح البنية لا من الزمن والمقعد بناء على صحة حدوثهما من الأول دون الثاني وإذا كان الفرع ضروريا فالأصل بطريق الأولى
الخامس أنه يعلم بالضرورة أنه تصح منه تحريك المدرة دون الجبل ولا معنى لهذا سوى العلم بقدرته على تحريكها دونه ولهذا يقصد الحمار طفر الجدول الضيق دون الواسع
Page 136