Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
السادس أن الطالب العاقل يعلم بالضرورة أنه يطلب ما يحدثه المأمور ولهذا يتلطف في استدعاء ذلك الفعل منه وأنه ينهى عما يكرهه من الأفعال التي يحدثها المنهي وكذا التمني والتعجب وغير ذلك وكل هذا يدل على أن فعل العبد إحداثه الجواب أن هذه الوجوه لا تفيد سوى أن من الأفعال المستندة إلى العبد ما هو متعلق بقدرته وإرادته واقع بحسب قصده وداعيته وهي المسماة بالأفعال الاختيارية وكونها مقدورة للعبد واقعة بكسبه وعلى حسب قصده واختياره وعند صرف قدرته وإرادته وإن كانت مخلوقة لله تعالى كاف في حسن المدح والذم وصحة الطلب والنهي والتمني والتعجب ونحو ذلك ولا يفيد كونها مخلوقة للعبد على ما هو المتنازع فضلا عن أن تفيد العلم الضروري بذلك والعجب من أبي الحسين وهو في غاية الحذاقة كيف اجترأ على هذه الدعوى وهي آية الوقاحة حيث نسب جميع ما سواه من العقلاء إلى السفسطة وإنكار الضرورة أما السمنية والجبرية فظاهر وأما القدرية فلأنهم جعلوا الحكم بكون العبد موجدا لأفعاله نظريا لا ضروريا وذكر الإمام في نهاية العقول أن أبا الحسين لما خالف أصحابه في قولهم القادر على الضدين لا يتوقف لعله لأحدهما دون الآخر على مرجح وذهب إلى أن العلم بتوقف صدور الفعل على الداعي ضروري وأن حصول الفعل عقيب الداعي واجب لزمه من هاتين المقدمتين عدم كون العبد موجدا لفعله وفيه إبطال للأصول التي عليها مدار أمر الاعتزال فخاف من تنبه أصحابه أنه رجع عن مذهبه فليس الأمر عليهم وادعى العلم الضروري بكون العبد موجد الفعلة ثم قال الإمام لا يقال الاعتراف بتوقف صدور الفعل عن القادر على الداعي ووجوب حصوله عند حصوله لا ينافي القول بأن قدرة العبد مؤثرة في وجود الفعل وإنما ينافي استقلاله بالفاعلية وهو إنما ادعى العلم الضروري في الأول لا في الثاني لأنا نقول نحن لا نستدل بالدليل المذكور لأجل بيان أن القدرة الحادثة غير مؤثرة بل لبيان سلب الاستقلال كما هو مذهب الأستاذ وإمام الحرمين فإن كان أبو الحسين قد ساعدنا عليه فمرحبا بالوفاق لكن يلزم منه فساد مذهب الاعتزال بالكلية لأنه لا فرق في العقل بين أن يأمر الله العبد بما يكون فعلا لله تعالى وأن يأمره بفعل يجب حصوله عند فعل الله تعالى ويمتنع حصوله عند عدمه فإن المأمور على كلا التقديرين لا يكون متمكنا من الفعل والترك ولا بين أن يعذب الله العبد على ما أوجده فيه وأن يعذبه على ما يجب حصوله عند حصول ما أحدثه الله فيه ولا بين فاعل القبيح والظلم وفاعل ما يوجب القبيح والظلم فمن اعترف بوجوب حصول الفعل عند حصول الإرادة الحادثة انسد عليه باب الاعتزال فظهر أن أبا الحسين كان من المنكرين لمذهب الاعتزال في هذه المسألة وإن مبالغته في دعوى الضرورة فيها كانت على سبيل التغبية والتلبيس وزعم بعض المتأخرين من المعتزلة أن معنى الوجوب عند خلوص الداعي أنا نعلم أن القادر بفعله مع إمكان الترك كما نعلم أن الله يثيب الأنبياء والأولياء بالجنة ويعاقب الكفار بالنار مع إمكان تركهما ونعلم أن العرب لو قدروا على مثل القرآن مع توفر الدواعي وانتقاء الموانع لأتوا بمثله ولولا وجوب الإتيان بمثله بمعنى الذي ذكرنا لما عرفنا عجزهم لجواز أن يقدروا ولا يأتوا به وفيه نظر لأنه إما أن يلزم مع خلوص الداعي صدور الفعل من القادر بحيث لا يصح منه الترك وإن كان ممكنا في نفسه وبالنظر إلى أصل قدرته وإرادته فيتم ما ذكره الأمام من وجوب الفعل ولزوم الجبر وعدم استقلال قدرته وإرادته فيتم ما ذكره الإمام من وجوب الفعل ولزوم الجبر وعدم استقلال العبد لظهور إن تلك الداعية والإرادة الجازمة ليستا بإرادة العبد وهذا هو المعنى بالجبر الذي يقول به أهل الحق ويلزم أبا الحسين لا الجبر المطلق الذي يقول به المجبرة وبطلانه ضروري وأما أن لا يلزم فلا معنى لتسميته بالوجوب ولا طريق إلى العلم بالصدور بل هو رجم بالغيب لأن المفروض تساوي الأمرين وإنما العلم فرع اعتقاد الوجوب ألا يرى أنه إذا قيل من أين عرفت عجز المتحدين قيل لأنه خلصت دواعيهم فلو قدروا لأتوا به وهذا معنى الوجوب لأنه استدلال بانتقاء اللازم على انتفاء الملزوم ولهذا يستدل بنفي الفعل عند تحقق القدرة على نفي الداعية وجزم الإرادة ( قال ومنهم من احتج عليه ) المتقدمون من المعتزلة على أن العلم بكون العبد موجدا لأفعاله نظري فتمسكوا بوجوه عقلية ونقلية أما العقليات فمرجعها إلى خمسة
Page 137