قال ارسطو يقال قبل وبعد بعض الاشياء كان هوية ما اولى وابتداء فى كل واحد من الاجناس والذى هو اقرب من ابتداء ما محدود اما بنوع مبسوط واما بالطبع او بنوع مضاف او اين او متى او بانها كقولنا انها تقال قبل بالمكان الذى هو اقرب الى مكان محدود مثل المكان الوسط والاخير وذلك اما بالطبع واما بالبخت والذى هو ابعد من هذه يقال هو بعد وايضا فيقال قبل بالزمن منه فيما مضى وهو ما كان ابعد من الان مثل حروب اطروا قبل حروب ميديا لان حروب اطروا هى ابعد من الان ومنه فيما ياتى وهو ما كان اقرب الى الان مثل ما نقول ان ناميا قبل بوثيا لانها اقرب الى الان واستعمال الان مثل ابتداء واول ويقال قبل بالحركة الذى هو اقرب من المحرك الاول مثل الصبى الذى هو قبل الرجل بالحركة وهذه هى ابتداءات ما بنوع مبسوط ويقال قبل بالقوة مثل الرئيس قبل المرءوس فان الرئيس لما يعلوا بالقوة يقال قبل وايضا الذى هو اقوى يقال قبل ومثل هذا هو الذى يضطر الاخر الذى هو بعد ان يتبع اختياره حتى انه اذا لم يحرك القبل لا يتحرك واذا حرك تحرك والاختيار هو الابتداء ويقال قبل بالترتيب للاشياء التى تحد باضافتها الى شىء واحد وتنفصل بالكلمة كقولنا ان الواقف ثان فى القرب قبل الثالث فى القرب والنغمة المسماة بارانيطا قبل التى تسمى نيطى ففى تلك الابتداء الواقف فى الرأس وفى هذه الوسطى فهذه اذا تقال قبل على هذا النوع ويقال قبل بنوع اخر ما كان قبل بالعلم وقد يقال ايضا قبل بنوع مبسوط وايضا يقال قبل بالكلمة وبالحس اما بالكلمة فالذى هو قبل بنوع كلى واما بالحس فالاشياء الجزئية وبالكلمة العرض ايضا قبل الكل مثل الموسيقوس قبل الانسان الموسيقوس فانه لا تكون الكلمة البتة من غير الجزء ومع هذا فانه لا يمكن ان يكون موسيقوس ان لم يكن موسيقوس ما جزئى وايضا يقال قبل المنفعلات فى الاشياء التى هى قبل مثل الاستقامة والملاسة فان احد هذه منفعل للخط بذاته والاخر للسطح فمن الاشياء ما يقال قبل وبعد على هذه الانواع ومنها ما يقال بالطبع والجوهر وهى التى يمكن ان تكون ولا غيرها واما تلك فلا تكون ولا هذه وهذه القسمة التى كان استعملها افلاطون فاذ تقال الهوية بانواع كثيرة فانها تقال اولا بالموضوع الذى هو قبل والذى به يكون الجوهر قبل وتقال ايضا بنوع اخر التى هى بالقوة وبالفعل كقولنا اما بالقوة فمثل النصف من الكل والجزء من الكل والعنصر من الجوهر واما بالفعل فمثل الذى هو بعد فانه يكون بعد ان ينحل بالفعل فبنوع ما جميع ما يقال قبل وبعد فعلى هذه الانواع يقال ومنها ما يمكن ان يكون ولا غيرها مثل الكل والاجزاء ومنها ما يمكن ان يفسد دون غيرها مثل جزء الكل وسائرها مثل ذلك التفسير قوله يقال قبل وبعد بعض الاشياء كان هوية ما اولى وابتداء فى كل واحد من الاجناس يريد ان احد ما يقال عليه قبل وبعد هو ما كان مبدا اولا فى كل واحد من الاجناس مثل المبدا الذى هو فى جنس الجوهر وفى سائر الاجناس وقوله والذى هو اقرب من ابتداء محدود يريد وبالجملة يقال قبل فى كل مبدا محدود وفى كل ما هو اقرب الى المبدا المحدود وقوله اما بنوع مبسوط واما بالطبع او بنوع مضاف او اين او متى او بانها يريد والمبدا الاول الذى يقال فيه وفيما قرب منه قبل اما ان يكون اولا باطلاق واما ان يكون اولا بالطبع واما ان يكون اولا بما هو مضاف واما ان يكون اولا فى المكان او اولا فى الزمن واما ان يكون اولا فى وجوده هذا اولى ما يفسر به هذا الموضع والا لزم عن ذلك تداخل القسمة ثم اخذ يمثل المتقدم بالزمن فقال يقال قبل بالزمن منه فيما مضى وهو ما كان ابعد من الان مثل حروب اطروا قبل حروب ميديا لان حروب اطروا هى ابعد من الان يريد ان ما كان قبل فى الزمن الماضى هو ما كان ابعد من الان الحاضر مثل قولنا ان حرب الجمل كانت قبل حرب صفين ثم قال ومنه فيما ياتى وهو ما كان اقرب الى الان مثل ما نقول ان ناميا قبل بوثيا يريد والمتقدم فى الزمن المستقبل هو بخلاف المتقدم فى الزمن الماضى وذلك ان المتقدم فى الزمن المستقبل هو الذى هو اقرب الى الان الحاضر وفى الماضى الذى هو ابعد من الان الحاضر وذلك مثل ما نقول فى الكوائن المنذر بها من قبل الشرائع او من قبل تقدمة المعرفة ان كائنة كذا ستحدث قبل كائنة كذا مثل ما يقال ان طلوع الشمس من مغربها قبل قيام الساعة وقوله واستعمال الان مثل ابتداء واول يريد واستعمال الان فى المتقدم والمتاخر هو بمنزلة مبدا وانما قال ذلك لانه ليس هو مبدا بالطبع وانما هو بالوضع وقوله ويقال قبل بالحركة الذى هو اقرب من المحرك الاول مثل الصبى الذى قبل الرجل بالحركة فانه يعنى بالمحرك الاول المكون الاول للانسان وذلك ان الصبى اقرب الى المكون الاول من الرجل وقوله وهذه ابتداءات بنوع مبسوط يريد وهذه الابتداءات التى يقال بالاضافة اليها قبل وبعد هى مبادئ باطلاق اى ليست بنوع مضاف ولا ثانيا بل بنوع اول ثم قال ويقال قبل بالقوة مثل الرئيس قبل المرءوس فان الرئيس لما يعلو بالقوة يقال قبل يريد ويقال الرئيس قبل المرءوس لكون الرئيس اقوى من المرءوس واعلى مرتبة منه وقوله وايضا الذى هو اقوى يقال قبل ومثل هذا هو الذى يضطر الاخر الذى هو بعد ان يتبع اختياره حتى انه اذا لم يحرك القبل لا يتحرك واذا حرك تحرك والاختيار هو الابتداء يريد وبالجملة فيقال قبل للذى هو اقوى وهذا هو الذى يضطر الذى بعده ان يكون اختياره تابعا لاختياره حتى انه اذا لم يحرك الذى هو قبل اعنى الغالب لا يتحرك الذى بعد اعنى المغلوب والابتداء الذى بحسبه يوجد فى هذا المعنى القبل والبعد هو الاختيار اعنى ان اختيار الاضعف تابع لاختيار الاقوى وهذا هو الذى اراد بقوله والاختيار هو الابتداء˹ ثم قال ويقال قبل بالترتيب للاشياء التى تحد باضافتها الى شىء واحد وتنفصل بالكلمة كقولنا ان الواقف ثانى فى القرب قبل الثالث والنغمة المسماة بارانيطا قبل التى تسمى نيطى ففى تلك الابتداء الواقف فى الرأس وفى هذه الوسطى فهذه اذا تقال قبل على هذا النوع يريد ان الاشياء التى هى موجودة معا انما يتخيل فيها القبلية والبعدية باعتبارها الى شىء يوضع فيها اولا وواحدا اعنى باعتبار ترتيبها من ذلك وترتيب بعضها من بعض ومن قبل هذا تختلف حدودها واسماؤها مثال ذلك انه انما نقول فى جماعة واقفة معا على مسافة واحدة ان الثانى منها قبل الثالث اذا توهمنا فيها اولا وهو القائم على رأس الملك مثلا او رأس المسافة وتوهمنا فيها الترتيب وكذلك انما نقول ان نغمة كذا قبل نغمة كذا اذا كان عندنا نغمة هى اولى فى النطق او فى الملاومة وتوهمنا الترتيب بينها وبين سائر النغم وقوله وتنفصل بالكلمة يريد انه تختلف حدودها واسماؤها باضافتها الى ذلك الشىء الواحد فيسمى الذى يليه ثانيا والذى يلى الثانى ثالثا وسواء كانت مختلفة فى حدودها واسمائها التى لها من حيث هى موجودة او كانت متفقة فى ذلك فانه لا يلفى لها قبلية ولا بعدية الا من قبل الترتيب ولا ترتيب الا باعتبارها الى اول يوضع فيها او يتوهم وقوله ويقال قبل بنوع اخر ما كان قبل بالعلم وهو ايضا يقال قبل بنوع مبسوط وانما قال ذلك لان الاعرف عندنا اعنى المتقدم فى المعرفة ليس المتقدم فى الوجود فلذلك كان هذا صنفا اخر من اصناف المتقدم ثم قال وايضا يقال قبل بالكلمة وبالحس اما بالكلمة فالذى هو قبل بنوع كلى واما بالحس فالاشياء الجزئية يريد والاشياء التى يقال فيها انها قبل بالادراك تختلف فى العقل وفى الحس اما العقل فالكلى اعرف عنده من الجزئى والحس الامر عنده بالعكس اعنى ان الجزئى اعرف عنده من الكلى والاعرف عند شىء ما هو قبل الاخفى عنده ثم قال وبالكلمة ايضا العرض قبل الكل مثل الموسيقوس قبل الانسان الموسيقوس فانه لا تكون الكلمة البتة من غير الجزء ومع هذا فانه لا يمكن ان يكون موسيقوس ان لم يكن موسيقوس ما جزئى يريد والعرض ايضا متقدم فى حد الاشياء المركبة من جوهر وعرض فان حد المركب منها انما تقوم من جزئية اللذين هما الجوهر والعرض وليس يمكن ان يوجد الشىء دون جزئه بل اجزاء كل شىء متقدمة عليه اعنى انها ماخوذة فى حده مثال ذلك ان الانسان والموسيقوس متقدمان على حد الانسان الموسيقوس ومع هذا فان الانسان متقدم على الموسيقوس فانه لا يوجد موسيقوس ان لم يوجد انسان ما ثم قال وايضا يقال قبل المنفعلات فى الاشياء التى هى قبل مثل الاستقامة والملاسة فان احد هذه منفعل للخط بذاته والاخر للسطح يريد ويقال ان المنفعلات بالانفعالات الخاصة بها هى قبل الانفعالات مثل ما نقول ان السطح قبل الانفعال الخاص به المسمى ملاسة وان الخط قبل الاستقامة التى هى الانفعال الخاص به ثم قال فمن الاشياء ما يقال قبل وبعد على هذه الانواع ومنها ما يقال بالطبع والجوهر يريد فمن انواع المتقدمات والمتاخرات هذه التى حددنا ومنها ما تقال متقدمات بالطبع وهذه هى الاشياء التى اذا وجدت لم يلزم ان يوجد ما هى متقدمة عليه واذا وجدت المتاخرة عنها وجدت هى اعنى المتقدمة وهو الذى دل عليه بقوله وهى التى يمكن ان تكون ولا غيرها واما تلك فلا تكون ولا هذه˹ ثم قال وهذه القسمة التى كان استعملها افلاطون˹ وانما اشار بذلك الى ان القسمة التى استعملها هو فى المتقدم والمتاخر هى التى ذكرها فى اخر المقولات وهى الخمسة الاجناس المشهورة ولا شك انه نقص من القسمة التى ذكرت هاهنا المتقدم بالشرف كما نقصت من تلك المتقدمة بالمعرفة وهل فى هذه تداخل مع القسمة التى ذكرناها فيه نظر ثم قال فاذ تقال الهوية بانواع كثيرة فانها تقال اولا بالموضوع الذى هو قبل والذى به يكون الجوهر قبل وتقال ايضا بنوع اخر التى هى بالقوة والفعل يريد فاذ يقال اسم الموجود والهوية على المقولات العشر فان الهوية الموضوعة لسائر الهويات التسع هى قبل جميع الهويات والهوية التى كان منها الجوهر هى ايضا قبل الجوهر وكذلك الهوية التى بالقوة يقال فيها انها قبل الهوية التى بالفعل ثم تمثل بالهويتين جميعا فقال اما بالقوة فمثل النصف من الكل والجزء من الكل والعنصر من الجوهر واما بالفعل فمثل الذى هو بعد فانه يكون بعد ان ينحل بالعقل يريد اما بالقوة فمثل النصف الذى هو ضعف بالقوة وكذلك الجزء الذى هو كل بالقوة وكذلك العنصر الذى هو جوهر بالقوة واما الذى بالفعل فانه اذا قويس بهذا ظهر انه كالذى بعد وذلك يعرض اذا حلل العقل المركب الى هيولى وصورة ووقف على انه مركب من هذين ثم قال فجميع ما يقال قبل وبعد فعلى هذه الانواع يقال يريد ان ما عدد منها هو حاصر لجميع انواع القبل والبعد ثم قال ومنها ما يمكن ان يكون ولا غيرها مثل الكل والاجزاء ومنها ما يمكن ان يفسد دون غيرها مثل جزء الكل وسائرها مثل ذلك يريد ومن المتقدمات ما يمكن ان توجد ولا يوجد ما بعدها ومنها ما يمكن ان يفسد ولا يفسد ما بعده وهذه هى الاسباب التى لا يلزمها مسبباتها واحسبه سكت عن المتلازمة منها لكونها معلومة بنفسها فقوله مثل الكل والاجزاء اراد بذلك الجنس والانواع وقوله مثل الجزء والكل اراد به النوع والجنس
˺القول
[٨] فى القوة˹
[17] Textus/Commentum
Page 577