قال ارسطو ان لعلم واحد من العلوم النظر فى الهوية على كنهها والنظر فى الاشياء التى هى للهوية بذاتها وليس هذا لعلم واحد من العلوم التى يقال انها جزئية لانه ليس لعلم من العلوم الجزئية النظر فى كلية الهوية على كنهها بل انما للعلوم الجزئية النظر فى العرض الذى يعرض الجزء من اجزاء الهوية منفصلا منها مثل الذى تفعل العلوم التعاليمية فاذا كان طلبنا الاوائل والعلل القصوى فمعلوم انه باضطرار تكون هذه الاوائل كاوائل طبيعة من الطبائع مفردة بذاتها واذا طلب هذه الاوائل اولئك الذين طلبوا اسطقسات الهوية مضطر الا تكون اسطقسات الهوية بنوع العرض بل كائنة بالكنه ولذلك ينبغى لنا ان نطلب العلل التى فى الهوية على كنهها التفسير هذه المقالة ينحصر القول فيها فى جملتين اوليتين احداهما القول فى نحو نظر هذا العلم وكيف ينظر وحل المسائل العارضة فى ذلك وذلك انه لما كان كما يقول ارسطو فى الحادية عشر من الحيوان ان فى كل علم شريف ووضيع نوعين من العلم احدهما معرفة الشىء الذى تقصد معرفته والاخر ادب من الاداب يريد علم المنطق المختص بذلك العلم وجب ايضا ان يكون فى هذا العلم نحو ان من العلم وذلك ان كل علم فله جنس محدود ينظر فيه واسباب محدودة واعراض محدودة ونحو من البرهان والحد محدود ومعرفة هذا هو النظر الذى يخص ذلك العلم فالجملة الاولى من هذه المقالة يتكلم فيها فى تحديد موضوع الصناعة ولواحقها واسبابها وبالجملة فى الامور المنطقية التى تخص هذا العلم والجملة الثانية يتكلم فيها مع السفسطانيين الذين يجحدون المقدمات الاول ويبطلون النظر بعد ان يبين ان صاحب هذا العلم هو الذى يجب عليه ان يتكلم مع هولاء فلما كان كما قلنا غرضه ان يتكلم فى نحو نظر هذه الصناعة وكان قد فحص فى المقالة التى قبل هذه عن العلم الذى يسمى حكمة اى علم هو فقال هو انه ان كان علم جميع الاسباب لعلم واحد فهذا العلم هو الذى ينبغى ان يسمى حكمة ثم بين انه ليس لعلم واحد النظر فى اسباب جميع الهويات اذ كانت الهويات مختلفة من قبل انه يوجد فى بعضها من الاسباب الاربعة ما لا يوجد فى بعض وانما كان يمكن ذلك لو كانت الموجودات جنسا واحدا مثل البيت الذى توجد له العلل الاربعة ثم افضى به القول الى ان الحكمة لعلها التى تنظر فى اشرف الاسباب وهى الغاية الاولى والصورة الاولى اخذ يبين الامر فى هذه المقالة على طريقة البرهان والبيان التام فقال ان لعلم من العلوم النظر فى الهوية على كنهها والنظر فى الاشياء التى للهوية بذاتها يريد فنقول انه من المعلوم بنفسه ان هاهنا علما ينظر فى الموجود بما هو موجود وفى الاعراض الذاتية للموجود بما هو موجود ثم قال وليس هذا لعلم واحد من العلوم التى يقال انها جزئية لانه ليس لعلم من العلوم الجزئية النظر فى كلية الهوية على كنهها يريد ويظهر انه ليس هذا النظر لعلم واحد من العلوم الجزئية لانه معلوم انه ليس لعلم من العلوم الجزئية النظر فى الموجود بما هو موجود ثم قال بل انما للعلوم الجزئية النظر فى العرض الذى يعرض لجزء من اجزاء الهوية منفصلا منها مثل الذى تفعل العلوم التعاليمية يريد اذ كان من المعلوم ايضا ان العلوم الجزئية انما تنظر فى الاعراض التى تعرض لجزء من اجزاء الموجودات اخذت ذلك الجزء كانه منفصل من الموجود مثل ما تفعله العلوم التعاليمية فانها تاخذ الاعداد والاعظام منفصلة من الموجود وتنظر فيها وفى اعراضها الذاتية وكذلك العلوم الطبيعية انما تنظر فى بعض الموجود وهو الموجود المتحرك وفى الاعراض الذاتية له بما هو متحرك وفى الحركة ثم قال فاذا كان طلبنا الاوائل والعلل القصوى فمعلوم انه باضطرار تكون هذه الاوائل كاوائل طبيعة من الطبائع مفردة بذاتها يريد واذا كان من المعلوم انا انما نطلب فى هذه الصناعة الاوائل القصوى التى هى اوائل باطلاق فمن البين انه يجب ان نطلب هذه الاوائل لهذه المحسوسات على هذه الجهة التى نطلب اوائل طبيعة قائمة بذاتها يريد ان الاوائل باطلاق يجب ان تطلب للموجودات التى هى باطلاق وان عرض لبعضها ان تكون محسوسة غير مطلقة فانما تطلب لها هذه الاوائل من حيث هى موجودة باطلاق لا من حيث هى موجودات ما كانك قلت متحركة او تعاليمية ثم قال واذا طلب هذه الاوائل اولئك الذين طلبوا اسطقسات الهوية مضطر الا تكون اسطقسات الهوية بنوع العرض بل كائنة بالكنه ولذلك ينبغى لنا ان نطلب العلل التى للهوية على كنهها يريد ولهذا الذى قلناه فمتى طلب المتقدمون المبادى الاول للموجودات بما هى موجودات ولم يطلبوها للموجودات التى بصفة ما فطلبهم للاسباب بالذات واذا طلبوها للموجودات التى بصفة ما فطلبهم للاسباب بالعرض يعنى انهم لما طلبوا الاسباب للموجود ولم يطلبوها للموجودات المتغيرة مثلا كان طلبهم ذاتيا ولو طلبوها لموجودات مخصوصة لكان طلبا عرضيا
[2] Textus/Commentum
Page 300