Shāʿir Andalusī wa-jāʾiza ʿālamiyya
شاعر أندلسي وجائزة عالمية
Genres
بكوير
Becquer
4
بسط بكوير إحدى يديه وأسلم نفسه للريح البحرية حول كرمه المعسول، مأواه الأمين من بغتات الوابل الدافق المرعد في شهر مايو كلما حن إلى لحظة من لحظات الظل والعطر بين غيوم السوداء والقنوط. وإنه ليرتجف ويختلج ويسعل ويقبض بيده في الوقت نفسه على قبعته العالية، وهو يواجه هبات الرياح، وإنه ليجهد جهده ليلف الربابة الخيالية في ردائه القصير الذي يكاد لا يغطيه في هذه اللحظة من الربيع القارس المكظوظ بالزوابع السافية والغيوث الهامية. أتراه في ذلك الصباح في ركن مظلم من الحجرة قد انتزعها - تلك الربابة - بأوتارها العارية وأجنحتها الناعسة كأنها شجرة اللوز المزهرة؟ إلى أين يا ترى يحملها ليرسل نغماتها؟! وأي خليط هناك من العسل المشتار، والهم، والربيع، والمرأة، والقشعريرة، تحويه تلك الربابة المثالية؟
ربابة أو امرأة، وتر أو معصم. إنها جميعا تحلم بالحب الخفي: «يختم خيانته بقبلة!»
لقد طوى في صدره صدى مسمرا في دخيلة الروح، ومضى يتعذب به كأنه وخزة الشوكة من الثمرة المفخمة على شجرة البرتقال: ذبحة لا تطاق، ولكنها لا تقتل صريعها بطعنة واحدة.
مضى يحمل الألم الملتهب، ويرى هل يطيق أن يدفع به إلى البحر الواسع من نهر الدم الذي يسري في عروقه، وإنه ليدق ويدق في كل أنحاء سمعه، ومن قدمه إلى فرعه، تحت سحابة خانقة من خفقان قلبه الكليل.
قلق فاتر يقابل سبحات الخيال البيض المذهبات المتألقات بشتى الألوان، وبهذه النبضات القلبية يصنع نغماته، ويسمو إلى الأبد حيث تخفق الحياة في القصيد من وحي الإسبان: «واليوم تنزل الشمس إلى أعماق الروح». وحول بكوير - كالخلاصة الصفراء الفضية من الزهرة المثالية، وبين العصافير المتجمعات لتتويجها، والمنقار الغيور يغرد بها - تطير الأوزان والألحان في أحوال شتى قبل وبعد المبتذل من الأشياء، فريدا صادقا فيه؛ إذ ليست هي إلا سجعاته القاسية الشمطاء.
جرس وقافية - حقا - تمر السنون في إسبانيا، ولا يستخدمان بغير رجعة إلى بكوير.
جرس. قافية. قافية. جرس. قافية. قافية النهد الأسود والأبيض المحفوظ على صفحة الطغراء، طغراء الرواق على حجر القبر، على جدار الدير، على الشرفة المغلقة بسماء إشبيلية الغربية: خضرا وقرنفلية، ومعها الماء والشمس على صفحات الزجاج.
Unknown page