Shāʿir Andalusī wa-jāʾiza ʿālamiyya
شاعر أندلسي وجائزة عالمية
Genres
إنني لأحلم بالصوامع المرمرية.
وهي في صمتها المقدس.
قائمة والأبطال لديها هاجعون.
وعلى ضوء من الروح أتحدث.
إليهم تحت جنح الظلام.
ولقد فكرت فيه، ولم يفارقني، ورأيته يومئذ غريبا مخالفا للإسبان الأمريكيين وليس لنا نحن، ورأيته أقوم وأخفى وأمضى وأغمض وأوفر نصيبا من الوطن، وأوفر نصيبا من العالم، وأبعد من معاصره جوليا ول كازال الكوبي الآخر على صورة أخرى من الدعوة العصرية الزائفة، التي على الرغم من ذلك جذبت داريو إلينا نحن الإسبان، ثم هناك سلفادوري رويدا، ثم فرنسسكو فلسبيزا بعد ذاك.
وما كان كازال قط ممن أسيغ على هواي. أما داريو فهو على فرط فرنسيته كصاحبه كازال في دور النكسة، فإن لهجته الهندية الإسبانية الفطرية في شعره المخصب على أحسنه لتسحرني وتستهويني. كلا! كلا. إن مارتي لشيء مختلف جد مختلف، وإنه لأقرب إلي وألصق بي، ومن ذا الذي يرتاب في مارتي المجدد المستحدث؟! ومن ذا الذي يفهمه فلا يحسبه عصريا كسائر العصريين من الإسبان الأمريكيين؟!
وكنت - إذ ذاك - لم أقرأ من مارتي غير القليل، أو قرأت منه ما يكفي للتعرف إلى معناه ومبناه، وكانت كتبه - وهي كغيرها من الكتب الإسبانية - غير مطبوعة في باريس، وقلما ترى في إسبانيا، ولم أعرف غير النادر من نثره الإسباني، بل المغرق في الإسبانية المنمقة، أو عرفته بعبارة أخرى، ولم أعرف أنه هو نثره؛ لأنني كنت أصادفه مضمنا فيما يكتبه داريو، إذ كان كتاب القشتيلي لداريو صالحا لأن يخرج من يراعة مارتي، لولا أن مارتي لم يكن قط من المأخوذين بذلك الرونق الإسباني المزخرف، الذي كان يبهر داريو فيفتح عليه كل عينيه كالطفل الريفي المشدوه، وقد ظل داريو في جميع حالاته خارجا من نطاق تلك الشخوص التقليدية، من ملك وأسقف وفارس وأستاذ فقيه مصطبغين بصبغة المراسم والشعائر، وما كان مارتي ليعرب أبدا عن المظهر الموشى حتى في حديثه عن النساء، وهن ما هن عنده على مثالهن عند داريو ولكنه على صورة أخرى؛ فليس لمارتي سلفية عريقة في غير مفردات اللغة وغير المفردات التي تمتاز بينها بالتعبير عن فكرة أو عن خالجة موقرة، وما كنت لأشعر بهذه الموازاة بين مارتي وداريو لو لم أذهب إلى كوبا، وليس من أربي - ولو في سبيل إنصاف مارتي - أن أغض من داريو العظيم أو أجور عليه؛ لأنني معجب به في غير هذه الناحية، بل معجب به أيضا فيما يشبهه من الصفات لصراحته واعترافه بالاستفادة من مارتي في تلك الصفات، وإنما الفرق بينهما في غير ما يختلف به وجودان مستقلان راجع إلى أعماق التجارب المختلفة التي ابتلاها كل منهما في حياته؛ لأن مارتي حمل في أطوائه جرحا إسبانيا لم يصب مارتي بمثله.
إن هذا جوزيه مارتي، هذا القائد العنكبوت الذي نسج خيوطه من الحب والبغض بين الورود والكلمات والقبلات البيض، منتظرا مصيرة المقدور، قد سقط في أرضه التي شهدتها الآن فريسة الهوى والحسد وقلة الاكتراث بعض الأحوال كما كان مقدورا له على سنة الفرسان المجاهدين صرعى الغرام في كل وطن وفي الماضي والحاضر والمستقبل، وقد كان هذا الدون كيشوت الكوبي يحيط بالروحانية الأبدية والمثالية الإسبانية.
فيا معشر الكوبيين، إنكم أخلق من سواكم أن تكتبوا أنشودة مارتي وأقاصيص خياله، وهو بطل الحياة والموت الذي ذاد عن وطنه وعن قرينته وعن أمته ذودا جميلا بما أقدم عليه من التضحية بحياته الشاعرية الرفيعة، وقد كانت تلك الرصاصة التي أردته من نصيبه حقا، فجاءته - لهذا - كما تجيء كل رصاصة ظالمة من كل فوج ومن جوانب شتى ومن تراث القرون المسفة، فلم يبرأ من جريرتها غير القليلين من الإسبان والكوبيين، فكلهم مسئولون عن تلك الشظية التي نفذت إلى جثمانه، ولست أشعر - أنا أيضا - بخلوي من تلك الشظية، وإن لم تكن من حقي ومن سهمي. وقد شعرت به وبما كان يختلج من شعوره دائما، كما نشعر حيث نكون في النور إلى جانب الشجرة والماء والأزاهير ذوات المعاني والرعاية. وإنني لمن ذلك الطراز الواجد المبتهل الذي يؤمن بأن الخير يهلك ظاهرا، ولا يهلك جدا بما يقصده به الآخرون؛ لأن الشر يهلك نفسه بيديه.
Unknown page