146

وأمسك سانين هنية ثم عاد يتكلم: «على أن هذا ليس بسبيلنا الساعة. تقولين إن هذا يكون عملا دنيئا. لا أدري لعل الأمر كما تقولين. وأحسب أن لو سمع نوفيكوف بما أنت فيه لأمضه جدا وأحزنه، وربما قتل نفسه، على أنه مع ذلك سيحبك كما أحبك من قبل. ولئن قتل نفسه ليكونن هو الملوم. أما إذا كان لبيبا ذكيا فأخلق به أن لا يكترث لكونك (معذرة من هذه العبارات) ضاجعت سواه، فإن جسمك لم يفقد شيئا بذلك - لا ولا روحك. ويا عجبا له! أما يمكن أن يتزوج أرملة مثلا؟ إذن فليس هذا بالذي يمنعه أن يتزوجك وإنما تمنعه - إذا منعته - آراؤه المشوشة المختلطة التي حشى بها رأسه، وأما أنت يا ليدا فلو أنه كان ممكنا أن لا يحب الآدمي إلا مرة في حياته كلها لكانت معاودة الحب عبثا لا يسر ولكن هذا ليس هكذا. والحب متعة مشتهاة دائما وستألفين نوفيكوف وتحبينه، فإذا لم تفعلي رحلنا معا يا ليدوتشكا، إن المرء يستطيع أن يعيش حيثما اتفق أليس كذلك؟»

فتنهدت ليدا وحاولت أن تغلب ترددها وتمتمت: «ربما ... صلحت الأمور ... ونوفيكوف ... طيب رقيق القلب. وجميل أيضا أليس كذلك؟ نعم ... لا، لا أدري ماذا أقول.»

فقال سانين: «ولو كنت أغرقت نفسك ... ماذا إذن؟ إن قوى الخير والشر ما كانت لتكسب أو تخسر بذلك، وكل ما كان يحدث هو أن جثتك المشوهة الممسوخة الملطخة بالأوحال كانت تطفو وتجر إلى الأرض وتدفن. هذا كل ما كان يحدث.»

فتصورت ليدا الماء المربد والأوحال والأعشاب والفقاقيع سابحة حولها وقالت واصفرت: كلا. كلا. أبدا. أهون من ذلك أن أحتمل كل عار ... ونوفيكوف ... كل شيء ... «أي شيء سوى هذا»

فقال سانين ضاحكا: «انظري كيف تفزعين.»

فابتسمت ليدا بين دموعها وعزتها ابتسامتها وقالت بقوة: «مهما يكن ما يحدث فإني مصممة على الحياة.»

فصاح سانين ووثب: «حسن، إنه ليس أفظع من فكرة الموت، وما دام المرء يستطيع أن يحتمل العبء وأن لا يفقد إحساسه بمناظر الحياة وأصواتها فليحيا. ألست على صواب؟ والآن ناوليني يدك.»

فمدت إليه ليدا يدها شاكرة.

وقال سانين: «هذا حسن ... ما أحلى يدك وأجملها.» فابتسمت ليدا ولم تقل شيئا.

ولم يذهب كلام سانين سدى، فقد كانت ليدا قوية الحيوية زخارتها، وكانت الأزمة التي مرت بها قد وترت أعصابها إلى أقصى حد، فلو زاد الضغط لتمزقت، ولكن الضغط لم يزد وعاد كيانها يتجاوب بالرغبة في الحياة زاخرة قوية. فنظرت فوقها وحولها وهي ثملة وأحست السرور تنبض به كل جارحة، وكل شيء أحسته في ضوء الشمس وفي المروج الخضراء وفي النهر المؤتلق وفي وجه أخيها الساكن المبتسم وفي نفسها فكأنما كانت ترى ذلك وتسمعه لأول مرة، وصاح بها صوت طروب من أعماق صدرها: «الحياة. الحياة».

Unknown page