ومع الرقعة صرة فيها خمسمئة دينار , قلت: والله لأتحفن المأمون (3) بهذا الخبر , فلما رآني قال: من أين يل أصمعي؟ قلت: من عند رجل أكرم الأجياد ما حاشا أمير المؤمنين , قال: ومن هو؟ فدفعت إليه الرقعة , فلما رأى الصرة , قال: هذه من بيت مالي؟! ولابد من الرجل , قلت: والله , ياأمير المؤمنين إني أستحي أن أروعه برسلك , فقال لبعض خواصه: امض مع الأصمعي , فإذا رآك الرجل فقل له: أجب أمير المؤمنين - من غير إزعاج - , فلما أحضر الرجل , قال المأمون: أما أنت الذي وقفت بالأمس وشكوت رقة [32ظ] حالك , وأن الزمان قد أناخ بكلكله عليك , ودفعنا إليك هذه الصرة لتصلح بها ما بدالك , فقصدك الأصمعي ببيت واحد فدفعتها إليه؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين , والله ما كذبت فيما شكوته إليك , فقال المأمون: لله أنت! فما ولدت العرب أكرم منك , ثم بالغ في إكرامه , وجعله من خواصه (1).
وقد نقل عن حاتم الطائي أنه أخذ إبله غزو من بعض العرب , فطلبها مع عشيرته , فلما لحقوا الغزو أخذوا من أيديهم الإبل , فلحق حاتم رئيس السرية , فالتفت وإذ هو يرى حاتم من خلفه قد قارب طعنه , فقال يا حاتم: اعطني رمحك! فقال حاتم: خذه , وناوله الرمح!
فقال له رفقاؤه: يا حاتم كيف تعطي عدوك رمحك في مثل هذا الموطن؟!
قال: يا هؤلاء ما جواب من يقول أعطني (2)!
وما ذكرنا من ذكر هذين القضيتين إشعار بأن الشنفرى ليس فيه من مكارم الأخلاق تخلق منه , بل غريزة , إذ لو كانت غير غريزة لم يتكلفها مع مرافقة الحيوانات لأنه لا موجب للتكلف , إذ ليست مدركة.
Page 151