فنقول: كان المرحوم المبرور في بداية أمره كتخدا (4) المرحوم المبرور أحمد باشا (5) نجل المرحوم حسن باشا (6) , فبعد أن مات أحمد باشا المذكور [27ظ] ضوعفت له الأجور , بلغ السلطان (1) أخبار هذا الكريم المرحوم , فصيره وزيرا من جملة الوزراء , وولاه البصرة , فتوجه إليها في تمام الحادي والستين بعد المئة والألف , فدخلها.
فسار مع أهلها السيرة الحسنة , وأجراهم على عوائد بره المستحسنة , فاتفق أن صار ذلك العام في البصرة , الجدب والقحط , فحصل لأهلها فاقة وضيق معيشة , فخرج الوزير المذكور - رحمه الله - من البصرة , ترفيها لأهلها , وشفقة عليهم , كي يبقى ما ينفقه على نفسه , وعلى جنوده , لهم , وهو يقضي السنة من خارج , فلم يزل تنقله الهمة, وهو يشتري من أهل القرى والمزارع ما يحتاجه بنقود الدراهم , ويسير مع الضعفاء بسيرة الأكارم , حتى وصل إلى حلة ابن دبيس (2) , فوجدها رخية , كثيرة الغلات , وافرة الخيرات , فأقام في نواحيها ينتظر زوال اللأواء عن البصرة , حتى يرجع إليها , إذ هي كما قدمنا دار إقامته , ومنفذ حكومته.
فوشى به بعض أهل النفاق , وقاصدي البغضاء والشقاق , عند والي بغداد (3) , بما تنهد من بهتانه الجبال , وتنفطر من تزويره الأكباد , فثارت بين الوزيرين فتنة عظيمة يعض من عاقبتها كل عاقل على يديه , ويغص من غائلتها كل كامل بريقه والماء لديه , وكان مع الوزير المرحوم إذ ذاك من العساكر نحو من سبعمئة فارس , قد تعودت في الحروب نهب الأرواح [28ظ] وتعوضت عن الصياح في الكفاح , الطعن بالرماح , والفلق بالفيالق بالبيض الصفاح , مع أن الوزير الكبير يغني وحده عن الجحافل , ويقوم مقام الألوف , من الصفوف , في إصابة المقاتل , من كل مقاتل.
Page 143