263

Sāʿāt bayn al-kutub

ساعات بين الكتب

Genres

كذلك لا ريب يتحدث وجيهنا أو عالمنا إلى نفسه وهو يتصفح الرف ويطلع على عنوان الكتاب، وقد يستحق الكتاب الشراء والقراءة لإغاظة هذا الوقار المضحك إن لم يستحق الشراء والقراءة لغير ذلك! وهو يستحقهما لعدة أشياء.

أحسب أن التراجم والسير لا تكتب إلا لتوسيع أفق الحياة وتعديد جوانب الشعور، فأنت إذا وضعت أمامك عشرة آلاف إنسان في صف واحد، فكن على ثقة أن واحدا منهم لا يخلو من مزية معدومة في الآخرين، أو موجودة فيهم على اختلاف في خصلة من الخصال، وكن على ثقة أنك إذا استطعت أن تتخيل هذه المزايا بألوانها وتنويعاتها، فقد استطعت أن تستوعب لنفسك عشرة آلاف حياة، وأن تبسط عمرك على هذا النحو إلى آلاف السنين، فلأجل هذا تقرأ كتب التراجم والسير وتقرأ القصص والروايات، وتشاهد الشخوص في المسارح، وفي السياحات، وفي كل مكان.

وكلما كانت الترجمة أغرب كانت أتم للغرض المقصود بكتابة التراجم، وأعون على توسيع جوانب الحياة، فلو استطاع كاتب أن يصور لنا سيرة النبات - فضلا عن سيرة الأحياء وفضلا عن سيرة الناس، وفضلا عن سيرة العظماء والعظيمات من الناس - لكان هذا أبلغ في أداء غرض الترجمة من كتابة أخبار الفاتحين وذوي المظاهر؛ لأنه يمد الحياة الإنسانية حتى تشمل أبعد الكائنات الحية عن مشابهتها، وهي الأشجار والأغراس، فلا يخطئ الذي يكتب الأسفار عن امرأة قد أخذت من إعجاب الناس بأوفى نصيب، وعلمتهم أن للجسم مكانا يرتفع إلى سماء الروح، بل كثير أن نقول «لا يخطئ» عمن يكتب في هذا الباب وهو المصيب الذي لا غرابة في عمله في غير عرف الوقار البليد، وقار العجماوات، أكرم الله السامعين.

وقد نعود إلى اختيار نبذ من هذه الرحلة الممتعة في مقال آخر؛ ولكننا نجتزئ الآن نبذة عن مصر التي زارتها أنا بافلوفا مرتين؛ لأن في هذه النبذة استكشافا جديدا عند بعض الناس الذين يكشفون للأمة غطاء المجهول!

قال الأستاذ ستير: «كان معظم النظارة من المصريين، وكان النساء يجلسن في مقاصير معزولة عن الرجال يكاد يغمرهن اللباس الأسود، ولا يسفر من وراء براقعهن إلا العيون، ومن هذه العيون بدت لي عينان اثنتان على الأقل لم يكن لي معهما قرار. فقد لمحت في المقاصير القريبة مني امرأة لا أقول عن أثر عينيها الثاقبتين في روعي إلا أنه كان ضربا من التنويم والتخدير، ولا أعرف كيف كان هذا، ولا أذكر إلا أن النور الذي ينبهني إلى ابتداء العزف قد أومض أربع مرات واحدة بعد واحدة قبل أن أفيق لنفسي وأدري بما حولي. بل لقد نسيت حتى بعد هذه اليقظة فاتحة الدور الذي كانوا يحسبون أنني أديره!»

والأستاذ ستير الذي يقول هذا هو الرجل الذي رأى العيون في خمسين عاصمة من عواصم الحضارة أو تزيد، ففي كلامه ولا ريب كشف جديد للناظرين! نعم، في كلامه كشف جديد لحضرات الشعراء الذين يكشفون لهذه الأمة غطاء المجهول ولما يبصروا - وقد لا يبصرون أبدا - أن في مصر عيونا يتغزل بها المتغزلون وتغنيهم عن الرحلة إلى الرصافة وبوادي تهامة للتنقيب فيها عن المها والغزلان، ولا يشعرون - وهم الشعراء - بالعين الجميلة إلا إذا حملقت لهم في قصيدة بدوية من وراء ألف عام.

فورد الفيلسوف

هب أيها القارئ أن رجلا يملك مائة مليون جنيه أعلن الناس أنه افتتح مستشفى لعلاج المرضى، وأنه هو سيعالجهم فيه بعلمه وخبرته وكفاءته الطبية التي خلاصتها كلها أنه يملك مائة مليون!

أو هب أيها القارئ أنه افتتح مطعما وأعلن الناس أنه يبيعهم فيه ما يطهوه بيديه ويبتكره من صنوف الطعام بتلك الكفاءة المطبخية التي خلاصتها أيضا أنه يملك مائة مليون. هب أيها القارئ هذا أو ذاك فهل تظن أحدا يجازف بصحته أو بمعدته ليعلم كيف يداوي المريض أو يطعم الجائع من كان في حوزته مائة مليون من الجنيهات؟ هل ترى أحدا يسول له الفضول أن يجرب في نفسه كيف يشفيه أو كيف يغذيه من ليس له علم بأسباب الشفاء ولا علم بأصناف الغذاء؟

ربما ...

Unknown page