فصل [في أفعال العباد]
وأفعال العباد كلها الحسن والقبيح والمبتدأ والمتعدي والمتولد، غير مخلوقة فيهم، بل هي صادرة منهم باختيارهم، غير ملجئين إلى شيء منها، مسندة إليهم، معاملون عليها عقلا وشرعا، منسوبة في المحاورات إلى فاعليها، يعلم ذلك كل عاقل، والله تعالى يقول: ?فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره *ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره?[الزلزلة: 7 8] ?جزاء بما كانوا يعملون?[الواقعة: 24]، ?اعملوا آل داود شكرا?[سبأ: 13]، ?إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات?[ص: 24]، ?إن الذين يلحدون في آياتنا?[فصلت: 40] ?فاستحبوا العمى على الهدى?[فصلت: 17].
ثم وصفهم الله بالقوة والضعف، واختلافهم في مزاولة الأعمال باختيارهم يشاهده كل عاقل، ?فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر?[الكهف: 29]، ?فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون?[الأنبياء: 94]، وقال تعالى: ?ونكتب ما قدموا وآثارهم?[يس: 12]. فنسب جميع أفعالهم إليهم، (في كل جارحة قوة تخصها، فالرجل للسير، واليد للبطش، والعين للنظر، والأذن للسمع) ، ولو كانت من الله كما يقول المبطلون لما وقع مدح لأحد على فعل حسن، ولا ذم على قبيح، كما لم يقع شيء من ذلك على الألوان والطول والقصر ونحو ذلك مما ليس باختيارهم، بل هو من الله فيهم، ولما أثابهم الله على الحسنات، وعاقبهم على السيئات، لما يؤدي إليه من أن تكون المجازاة على غير فعل منهم.
Page 17