AUTO [مقدمة المؤلف]
| AUTO [مقدمة المؤلف]
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، والحمد لله الذي لا إله إلا هو العدل الحكيم الصادق في وعده للمؤمنين بجنات النعيم، وفي وعيده للعاصين بالخلود في عذاب الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله السميع العليم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المؤيد بالقرآن الكريم، الهادي إلى الصراط المستقيم، صلى الله عليه وعلى آله الخلفاء بعده، الحفظة للدين القويم.
وبعد،
فإنه سألني بعض إخواني المسترشدين، عن رؤوس مسائل أصول الدين، وتنزيه رب العالمين عن أقوال المبطلين، وأن أجمع له ذلك بالدليل الواضح ليجعله معتمده إن شاء الله في العمل الصالح، فأجبته إلى ما طلب، وبلغته ما أحب، وقررت له هذه القواعد الأكيدة، وجمعت له المهم من المسائل المفيدة، الهادية إن شاء الله لمن اعتقدها إلى أقوم طريق، والمبلغة لمن اهتدى بها إلى أعلى درجات التحقيق، راجيا من الله الثواب الجزيل، على المعاونة على البر والتقوى كما نطق به التنزيل.
وزادني رغبة مع ذلك قوله تعالى:?وتعاونوا على البر والتقوى?[المائدة: 2]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما أهدى المسلم لأخيه المسلم خيرا من كلمة حق سمعها فانطوى عليها ثم علمه إياها، يزيده الله بها هدى، أو يرده الله عن ردى، وإنها لتعدل عند الله إحياء نفس، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي لئن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس))، وغير ذلك من الأحاديث المشهورة، والترغيبات المأثورة، ونسأل الله أن يزيدنا تنويرا، ويجعل لنا من لدنه سلطانا نصيرا.
Page 3
AUTO [باب التوحيد]
اعلم أن أول ما يجب على المكلف هو: العلم بالله تعالى ومعرفته، والعلم بصفاته، فإن ذلك رأس العلم الذي ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم في جوابه لمن سأله أن يعلمه من غرائب العلم، فقال: (( وماذا صنعت في رأس العلم حتى تسألني عن غرائبه؟ )). قال: وما رأس العلم يا رسول الله؟ فقال: (( أن تعرف الله حق معرفته )). قال: وما معرفة الله حق معرفته؟ قال: (( أن تعرفه بلا مثل ولا شبيه، وأن تعرفه إلها واحدا أولا آخرا ظاهرا باطنا لا كفؤ له ولا مثل له )).
Page 4
AUTO [وجوب النظر وأهمية معرفة الله]
| AUTO [وجوب النظر وأهمية معرفة الله]
والطريق إلى معرفته سبحانه والعلم به هو: ما قص الله عن رسوله إبراهيم الخليل صلى الله على نبيئنا وعليه وعلى آلهما وسلم، من قوله تعالى: ?وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين *فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض?[الأنعام: 75 79].
وذلك هو النظر والتفكر في ملكوت السموات والأرض وما بينهما وما فيهما من الآيات الباهرة، والبينات الظاهرة، والتدبيرات العجيبة، والمخلوقات البديعة، والحيوانات على اختلاف أجناسها وألوانها وصورها، وأصواتها، وتركيب كل حيوان وما فيه من الحواس الظاهرة والباطنة، وإلهامها إلى مصالحها صغيرها وكبيرها، وابتداء خلقها في الأرحام، وانتقالها من طور إلى طور، فتبارك الله أحسن الخالقين.
فمن نظر حق النظر بعقله في هذه المشاهدات وتغييرها وتأليفها، وافتراقها واجتماعها، وما يعتريها من الزيادة والنقصان، والحركة والسكون، واحتياجها إلى الأمكنة والمحال، علم علما يقينا أنها محدثة، من خالق ابتدعها، ومدبر دبرها واخترعها، ومالك فطرها وصنعها، ومن المحال أن يكون محدثها مثلها، أو بعضها، أو طبعها.
Page 5
ولما كان هذا مما تهتدي إليه العقول السليمة، وعلمه مركوزا بالضرورة فيها؛ أرسل الله الرسل وأيدهم بالمعجزات التي يعلم بها قطعا صدقهم، وأنزل معهم الكتب التي فيها بيان أحكامه، وكيفية تأدية شكره على إنعامه، ?وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها?[النحل: 18]، ?لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل?[النساء: 165] المرشدين للأمم إلى أقوم السبل.
Page 6
وأثار سبحانه ما في دفائن العقول من معرفته بآيات بينة تحقق صفاته الإلهية، واختصاصه بالملك والعظمة والكبرياء والوحدانية، فتنبه العقول من سنة الغفلة عن معرفة رب العالمين، وينجلي ريبها الذي سببه اتباع الهوى والتخيلات الفاسدة، وتقليد الآباء في الدين، فتدبر الآيات الصريحة في كتاب الله المجيد، المرشدة إلى أنوار الهداية والتوحيد، الصارفة للعقول إلى ما هو الأهم من علم الله وعدله وصدقه، ?وما ربك بظلام للعبيد?[فصلت: 46]، ?أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها?[محمد: 24]، قال الله سبحانه: ?إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون?[البقرة: 164]، وقال سبحانه: ?أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت *وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت?[الغاشية: 17 20]، وقال تعالى: ?فلينظر الإنسان مم خلق?[الطارق: 5]، وقال تعالى: ?وكأين من آية? [يوسف: 105]، فالقرآن مشحون بمثل ذلك، منبه لذوي الألباب على سلوكها في النظر أشرف المسالك، حتى يعلموه علما إيقانا، ?ويزداد الذين آمنوا إيمانا? [المدثر: 31]. وأنه ?الذي أحسن كل شيء خلقه?[السجدة: 7]، ?الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار? [الرعد: 16].
وإياك أن تتفكر في ذاته، فلن تعرفه إلا بالنظر في مخلوقاته. ومن كلام الوصي كرم الله وجهه في الجنة وقد سئل عن التوحيد فقال: (( التوحيد ألا تتوهمه )). وهذا من الحكم الجوامع، وروي: (( من تفكر في الخالق ألحد، ومن تفكر في المخلوق وحد )). قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
ومن ذلك جواب موسى عليه السلام وقد سأله فرعون لعنه الله قال: ?ومارب العالمين?[الشعراء: 23] أي: من أي الأجناس هو؟ فأجابه بما يعلم به، فقال: ?رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين?[الشعراء: 24].
Page 7