Ruyat Allah
رؤية الله تعالى بين العقل و النقل
Genres
وما ألطف وأدق وأروع قول موسى (ع) إثر إفاقته مما حصل له من الصعق بعد هذا الحدث: {سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين}(1)، فقد بادر عليه السلام أولا إلى تنزيه الله سبحانه إعلانا بحق ربوبيته واعترافا بالخطأ إعظاما لحق الله، وإن كان قلبه عليه السلام بريئا من قصد ما دل عليه ظاهر قوله بادئ الرأي لانه لم يسأل ما سأل إلا لتبكيت قومه كما تقدم ثم أتبع ذاك التوبة النصوح مما وقع فيه تعرضا منه لمغفرته تعالى، وختم كلامه بأنه عليه السلام أول المؤمنين بأن الله تعالى لا يرى وهو الذي أخرجه ابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما وفي هذا من تقرير عقيدة الحق المنزهة لله تعالى عن درك الأبصار ما لا يخفى على ذي بصر فإنه عليه السلام ما قصد بقوله: {وأنا أول المؤمنين}، إلا الإعتذار والتنصل مما يوحي به ظاهر قوله، وإن كان الله عز وجل عالما بسريرته فإن مثل ذلك مثل الإستغفار باللسان والإخبار بالقول عن عقد العزم على عدم العودة إلىالمعصية مع أن الله عليم بالسرائر لا يخفى عليه شيء مما اشتملت عليه خفايا الضمائر.
و(( لن )): تفيد تأكيد النفي أو تأبيده، أو هما معا، فيحصل من جميع ذلك أن رؤيته تعالى مستحيلة لأن امتناعها لأمر يتعلق بذاته تعالى، وهو كونها غير قابلة لأن ترى. وإلى ذلك الإشارة بالتنزيه الذي صدر به الاعتذار في قول موسى (ع) ولو كان لأحد مطمع في حصول الرؤية لما آيس الله منها عبده موسى الذي اصطفاه على الناس برسالته وبكلامه(2).
وقد اعترض مثبتوا الرؤية على هذا الإستدلال: بأن هذا النفي مقيد بالحياة الدنيا، لأن الإنسان فيها مفطور على الفناء، فلذلك لم يكن أهلا لرؤية الباقي تعالى.
Page 116