Ruh Cazim Mahatma Ghandi

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
79

Ruh Cazim Mahatma Ghandi

روح عظيم المهاتما غاندي

Genres

وأعضل ما في الأمر أن وطنية الهندوسيين هي في صميمها وطنية عقيدة روحانية، أو عقيدة دينية، وأن زعيمها لم يفلح في دعوته إلا لأنه قاد دعوتها الوطنية من هذه الناحية، وما في كل يوم يجد المسلمون أمامهم زعيما كغاندي يعتصم بالسماحة في قوة وصدق طوية، ويستطيع أن يروض أتباعه على العدل والرفق وحسن المعاشرة وفض المشكلات بترضية المخالفين في الرأي والعقيدة.

على أن غاندي نفسه قد غالته يد هندية؛ لأنه استهجن ذبح المسلمين والتشنيع بنسائهم وأطفالهم على مشهد من الشرطة وجنود الحكومة الهندية، فإذا أوجس المسلمون شرا من حكومة كهذه فلهم العذر كل العذر في شرعة المنصفين. •••

ولم يجدوا بدا في النهاية من إقامة دولتين منفصلتين: إحداهما هندوسية والأخرى إسلامية تعرف باسم الباكستان، وينتقل من يشاء من أتباع إحدى الدولتين إلى بلاد الدولة الأخرى مع تنظيم الهجرة وتبادل السكان.

ولم يكن تنظيم الهجرة بالأمر الميسور؛ لأنه بمثابة اقتلاع ملايين من الأسر من أماكن قد استقرت فيها وارتبطت فيها بمعاملاتها وأسباب معيشتها، إلى أماكن أخرى لا تتسع لها في كثير من الأحيان، وليس هناك من يعوض أحدا عن ماله المتروك في البلد الذي يهاجر منه، أو البلد الذي يهاجر إليه.

وما هو إلا أن أعلن قيام الدولتين حتى كانت مشكلة السكان هذه مثار الخصومات والفتن في كل بقعة يعيش فيها المسلمون مع الهندوسيين والسيخ منهم خاصة. وانطلق أناس من غلاة المتعصبين يطاردون المسلمين من مساكنهم ويعملون القتل والسلب فيهم، ويغيرون على المساجد فيلوثونها أو يهدمونها أو يحولونها إلى معابد هندية وينصبون فيها صورهم وأوثانهم، ولا يعترضهم أحد من الشرطة والجنود، بل يشاركونهم في هذه الجرائم ويحرضونهم عليها، ويزودونهم بالسلاح الذي يعلم العارفون بالهند أنه كان محظورا على جميع الهنود في عهد الدولة البريطانية، واقترف هؤلاء الغلاة من الآثام والمجازر في صيف تلك السنة (1947) ما لعله لم يحدث قط في هذا الزمن في بلد من البلدان.

وكان على رأس المجرمين الذين فعلوا هذه الأفاعيل جماعة وطنية متهوسة تعرف باسم «مهاسابها» أو الجماعة الكبرى، تتلخص مبادئها في إقامة حكومة هندوسية واحدة والقضاء على حكومة الباكستان وتجنيد جميع الشبان ومطاردة المسلمين ومعاملتهم معاملة الجواسيس المهددين لأمن الدولة الهندوسية، وتحريم الدخول في الدين الإسلامي على أبناء النحل الدينية الأخرى.

وكانت هذه الجماعة لا تبالي في نشراتها اليومية - وهي تحرض الغوغاء على القتل والسلب - أن تؤكد لهم علانية، معاونة الجيش والشرطة، وحمايتهم من الاعتقال والتحقيق.

وكان غاندي أشد أهل الهند نقمة على هذه الفتنة المخزية وجرت على لسانه كلمات يأس وشكاية لم تسمع منه قط في أحلك أيام جهاده، فكان يقول لمن حوله: هذه أحوال لا تغري بالعيش، ويسأل مع الشاعر: إلى متى أقيم في هذه الدنيا ألعب هذه اللعبة؟ يعني الحياة.

ولما أعرض المهيجون عن نصائحه المتكررة نذر الصيام حتى الموت أو تجاب مطالبه ويتحد المسئولون على العمل بها: وهي كما نشرتها صحيفة نيويورك تيمس (في يناير سنة 1948) «السماح للمسلمين بإقامة احتفالهم السنوي في معبد مهرولي القريب من دلهي، وإعادة المساجد المغتصبة إليهم، وصيانة حياتهم وأموالهم، والترحيب بعودتهم إلى مساكنهم وتأمينهم في السفر، والكف عن مقاطعتهم في الحياة الاجتماعية.»

ومضى في صومه خمسة أيام، ثم جاءه الزعماء وقادة الجماعات مستغفرين، وقطعوا له العهد على قبول وصاياه جميعا والعمل بها توا، فعدل عن صيامه، واستطاع أن يتوجه إلى مهرولي؛ ليشهد مع المسلمين مولد قطب الدين بختيار، الذي احتفلوا به في السابع والعشرين من شهر يناير، وعاوده الرضى بعد ما انتابه في الفترة الأخيرة من يأس قاتم، وحزن أليم.

Unknown page