Ruh Cazim Mahatma Ghandi

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
80

Ruh Cazim Mahatma Ghandi

روح عظيم المهاتما غاندي

Genres

إلا أنها الفتنة قد جن جنونها وانقطع عنانها، ونظرت إلى غاندي وهو يكبح شهوتها، كما ينظر الوحش المهتاج إلى الحارس الذي يدفعه عن فريسته، إنه قد يدع فريسته إلى حين لينشب أظافره في الحارس الذي حماها.

ففي العشرين من شهر يناير ألقى طالب اسمه «مادان لال» قذيفة على غاندي لم تصبه، فلم يجفل ولم يرتجف منه عصب، ومضى إلى الصلاة وهو يوصي الشرطة ألا يعنفوا على «الصبي المسكين!»

واتجهت الشبهة في هذا الحادث إلى جماعة رياضية على النظم الفاشية، تسمى جماعة المتطوعين لإنقاذ الوطن، ولكن التهمة لم تثبت عليها وظهر أن الجريمة من عمل متآمرين ينتمون إلى «المهاسابها» أو الجماعة الكبرى.

ولم يردعها إخفاق هذه المحاولة عن جريمتها التي بيتت النية عليها، فعادت إلى الاقتراع بين أعضائها على من يتولاها وينجح فيها، فكانت القرعة من نصيب فتى من محرري الصحيفة المتطرفة «هندوراشترا» يسمى: «ناثورام فيناياك جودس»، فتقبل القرعة متهللا؛ لأنه كان من أشد المبغضين لغاندي ودعوته الإنسانية، وكان كثيرا ما يقول: «إن لي رسالة لا بد من أدائها».

وما نظن أن قاتلا ضريت نفسه بالشر كما ضريت نفس هذا التعس المفتون، فحسبك نية القتل إذا كان القتيل هو غاندي، تلك وحدها كافية. «جودس» قاتل غاندي.

ولكنها لم تجمع كل ما في طويته من ضراوة إبليسية. فقد تعمده بالقتل وهو في موقف يثني يد الشر ويخلق الضمير النادم لمن مات فيه الضمير، تعمده بالقتل وهو يسعى إلى الصلاة بين حفيدتين بريئتين، وينظر إليه نظرة العطف الوديع التي يغمر بها كل من حياه.

كان غاندي في يوم الجمعة (الثلاثين من شهر يناير) يتحدث إلى السردار باتل في شأن خطير، فأخره الحديث عن موعد الصلاة، فلما كانت الساعة الخامسة والدقيقة العاشرة، قال لمحدثه العظيم: الآن دعني ... إنه موعد الصلاة ... وخرج بين حفيدتيه آفا ومانو ليؤدي صلاته في معبد قريب ... فاقترب منه فتى في سترة خاكية وصدار أخضر، وهو يطوي ذراعيه على صدره علامة التحية الهندية، وقال له: لقد تأخرت يا أبت. فتمتم غاندي مطرقا كالمعتذر، وهو يقول: نعم تأخرت يا بني. وانحنى الفتى كأنما يهم بتقبيل قدميه، فنظر إليه غاندي نظرته الوديعة وابتسم له في رفق وممانعة، وطوى ذراعيه على صدره ردا للتحية، فإذا بالفتى قد وثب واقفا وفي يده أداة لا تكاد تنظر - مسدس بيريتا الصغير - وأطلق منه ثلاث رصاصات على صدر المهاتما على مدى ذراع، فهتف غاندي بالصلاة «آي رام. آي رام» ... وسقط إلى الأرض رافعا يديه كما كان يرفعهما لمن يدعون له بالحياة.

جثمان غاندي على شاطئ النهر المقدس - نهر «جمنا».

ولم يعش بعدها غير ثمان وعشرين دقيقة، ولم يفه بعدها بغير هذه الكلمات: «إذا كنتم لا تريدون أن أعيش ... فلا أرب لي في العيش.»

وظل القاتل كلما سئل بعد ذلك يضحك ويقول: لست بنادم ... ولست أجهل ما ينتظرني ... ولكنني لا أبالي ... إنني أقحمت اسمي على التاريخ بأحرف من نار ...»

Unknown page