لندع حنة الآن تعيد تلاوة هذا الكتاب الغريب، ولنعد إلى أرمان وبستيان، فنقول إنهما خرجا من منزل بستيان، وذهبا توا إلى منزل أرمان حيث دخلا إلى قاعة السلاح، وامتحن أرمان بستيان بلعب السيف فوجده متين الساعد، ولكن لعبه قديم لا ينطبق على القواعد المقررة في هذا العصر بما جعله في قلق عليه، ثم دخل كل إلى غرفته وناما باكرا، وعند الساعة السادسة استيقظ أرمان فأيقظ بستيان، وقال له: هلم بنا الآن؛ إذ يجب علينا أن نصل قبلهم، فإن الفرنسيين لا يتأخرون.
ثم ذهبا إلى غابة بولونيا، فلم يلبثا هنيهة حتى قدم مسير فيليام مع شاهديه، وفيما هم في المركبة نظر إليهم أرمان، فاختلج واضطرب عندما رأى أندريا، وأشار إليه وهو يقول لبستيان: هل أنت واثق من أنه ليس أندريا بعينه؟ - إنني على أتم الثقة كما ثبت لي بعد الامتحان.
ثم وقفت المركبة ونزل أندريا منها مع شاهديه، فتبادلوا التحية، ودار بين أرمان وشاهدي أندريا الحديث الآتي:
قال أرمان: نحن الآن يا سيدي في موقف حرج يتيح لنا المداولة بصراحة وجلاء، فلا يؤخذ كلامنا في غير مأخذه بما يمكن أن يتناول منه مس كرامة أو ظن، لسوء قصد، وإنني أستأذن منكما فألقي عليكما هذا السؤال: أتعرفان السير فيليام من زمن طويل، وهل تعتقدان أنه أيرلندي؟ - إننا نعرفه منذ شهرين، وقد اطلعنا على أوراقه العائلية، فهي تثبت أنه السير فيليام وأنه أيرلندي. - لم يعد عندي ريب في ذاك، وإن كان الشبه عظيما بينه وبين أخي. والآن فإنني أرى أسباب البراز طفيفة جدا بحيث يجب التساهل فيه، لا سيما وأن التباين شديد بين سني المتبارزين. - ونحن الآن على رأيك؛ لذلك نقترح أن يكف عن المبارزة عند أول جرح، وأن لا يقصد أحدهما قتل الآخر. - ليكن ما تريد، وليسرع في القتال.
فخلع المتبارزان سترتيهما وفحص الشهود السيفين، ثم أعطيت الإشارة، فبدأ العراك، وكان بستيان شديد الهياج في القتال خلافا لأندريا الذي كان يقاتل بأتم السكون، كأنه يريد أن يقلد الإنكليز بجميع حركاتهم. أما أرمان فإنه علم لأول وهلة أن بستيان دون خصمه، يفضله بالثبات وقوة الساعد، ولم يمض على مبارزتهما خمس دقائق حتى صح ظن أرمان، فإن أندريا دحر بستيان ووضع سيفه بصدره، فعفى عنه، ولم يدع الحسام يصل إلى جسمه، فأوقف أرمان القتال، ولم يعد لديه أقل ريب بأن السير فيليام هو إيرلندي، بدليل ما رآه من عفوه عن بستيان بعد المقدرة عليه، وهي شهامة لا يعرفها أندريا.
وبعد أن أوقف القتال واعترف بستيان بأنه مغلوب، تقدم أندريا وصافحه، ثم أشار إلى الحضور فقال: اسمحوا لي الآن أيها السادة أن أظهر لكم السبب الذي حملني على البراز بعد أن قدم لي خصمي من الاعتذار ما هو كاف. ذاك أنني كنت يوما جالسا في أحد المنتديات مع بعض مواطني، فدار بيننا حديث عن البراز فأنكره مواطني وقالوا إن الشرفاء لا يتبارزون، أما أنا فقد اعترضت عليهم، وأثبت وجوب المبارزة، وأخذت أترقب الفرص كي أثبت ما قلته بالفعل، ثم ما كان بيني وبين خصمي، فعزمت على مبارزته تأييدا لقولي ورفضت قبول ذلك الاعتذار.
وبعد أن قال ذلك تقدم من أرمان فقال: يا سيدي الكونت، إني أشبه أخا لك تبحث عنه منذ حين في سائر الأنحاء. - لا أنكر وجود الشبه بينكم، ولكنكما تختلفان بالشعر فإن شعره أشقر وشعرك أسود. - ومع ذلك فإنني أريد أن تزورني يوما، فأطلعك على أوراقي التي تثبت لك حقيقة نسبي.
فاعتذرا له اعتذارا حسنا.
أما أندريا فتكلف هيئة ودية وأشار إلى الجميع، فقال: لا ريب أيها السادة أن كلا منكم قد أحب امرأة واحدة في حياته على الأقل، أما أنا فإنني أعشق الآن فتاة ملكت لبي، وقد أسكنتها بين الغابات لشدة غيرتي عليها، ولم أستطع أن أراها مساء أمس لاضطراري إلى الاجتماع بكم في هذا الصباح.
ثم التفت إلى أرمان فقال له: إنني أكون لك من الشاكرين أيها الكونت إذا تفضلت وأوسعت في مركبتك مكانا لشاهدي، كي أستأثر بمركبتي وحدي؛ فإنني غير راجع إلى باريس.
Unknown page