فصاحت صيحة فرح وقالت في نفسها: ما يهمني بعد ذلك أن أعرف أين أنا، فإن الذي تحبه نفسي حي. ثم عادت إلى الرسالة تتم تلاوتها فقرأت:
دخلت إلى غرفتك أيتها الحبيبة فرأيتك نائمة فلم أوقظك، بل إني لثمت جبينك الوضاح كما يقبل الأخ أخته، ورجعت على الأثر بملء السكون.
أيها الملاك المحبوب، إنني أتصور فرط انذهالك عندما تستيقظين، وتجدين نفسك في مكان لا تعرفينه من قبل، وتجهلين كيف وصلت إليه، وأية يد قادرة اغتنمت فرصة رقادك ونقلتك إلى هذا القصر، بل إلى هذه الجنة التي لم تشد إلا لأجلك، فاطمئني أيتها الحبيبة إنني لا أحبك حبا بل أعبدك عبادة، وإن تلك اليد القادرة لا تستخدم قوتها إلا لخدمتك، فإن تلك اليد هي الحب.
فرجف قلب حنة ونظرت إلى ما حولها نظرة قلق ورعب، وقالت في نفسها: كيف يمكن أن ذلك الرجل الذي سمعته بالأمس يقول لبستيان «إنك ستخطبها لي في الغد رسميا» أن يجري على هذا السيل، أتراه يريد أن يتخذني خليلة له، وأنه اغتنم فرصة رقادي. ولم تجسر أن تطلق ظنها إلى ما وراء ذلك وعادت إلى تتمة الرسالة:
أيتها الحبيبة، إني رجل شريف، وأريد أن أبقى أهلا لحبك الشريف، فإنك تحبينني بقدر ما أحبك، فتجدين نفسك على ما كنت من الطهارة، ومع ذاك فإني أسألك الصفح والمعذرة، فقد انتشلتك لأنني لم أستطع الصبر على ما رأيتك فيه من ضيق العيش، وأنفت من أن أراك تأوين إلى منزل حقير، وعلمت بأنك لا ترضين بالرحيل معي قبل أن يتم بيننا القران، فالتجأت إلى الحيلة، وأغريت خدم المنزل، ووضعت في طعامك مرقدا، حتى إذا غفوت بتأثير ذاك المرقد نقلتك إلى مركبة مقفلة سارت بك كل الليل حتى وصلت إلى هذا المكان، ولكني أعود فأقول لك اطمئني؛ لأنك في منزلك، وستكونين امرأتي في أقرب حين.
فوضعت حنة يدها على قلبها، وهي تحاول تسكين خفقانه، ثم عادت إلى الرسالة فقرأت:
واعلمي أيتها الحبيبة، أنه قد يمر على المرء في حياته حوادث غريبة محاطة بالأسرار الخفية، فإني بالأمس كنت معرضا لخطر البراز وقد انتصرت فيه بحول الله، وأراني اليوم في خطر شديد أعظم من الأول، أما الأول فقد أنقذني منه ساعدي، وأما الثاني فلا ينقذني منه سواك، فانتبهي إلى ما أطلبه منك.
إن في ذاك سرا أيتها الحبيبة لا يتعلق بي وحدي ولا يسوغ لي إفشاؤه، وقد يمر عليك في هذا المكان بضعة أيام لا ترينني فيها، فاطمئني وثقي بي لأنني أحبك. إذا لم تبحثي أبدا أين أنت، وإذا كنت لا تحاولين مغادرة هذا المنزل، وإذا كنت لا تسألين الخدم الذين جعلتهم منذ اليوم في خدمتك أقل سؤال، أكون في مأمن من هذا الخطر، وإلا فإن أقل مخالفة تجرينها تقضي علي بالموت، فتدبري واعملي بما يدعوك إليه واجب الحب.
وسيصلك مني رسالة في كل يوم، ثم لا تقلقي لبعد جرتريدة عنك، فإنني قد أخذتها معي لأنها تعلم بحبنا، وهذا أيضا من الأسرار التي لا أستطيع أن أبوح بها لك الآن. فأستودعك الله أيتها الحبيبة على أمل اللقاء القريب.
وكان هذا الكتاب غفلا كالكتاب السابق، أي بغير توقيع. (23) المبارزة
Unknown page