فبرقت عينا أندريا بأشعة الأمل، وقال: هل هي جميلة؟ - إنها كثيرة الجمال والدلال. - هل هي عاقلة؟ - هي رجيحة العقل شديدة الذكاء. - إذن فهي تكفل لي غواية فرناند، وإقلاعه على حب هرمين، وسنرى في شأنها.
فقال كولار: يوجد أيضا شيء آخر لم أطلعك عليه، وهو أن والد هرمين مفتون بسريز، وقد تبعها أمس، ووقف بالقرب من منزلها طويلا، ثم عاد في المساء، وسهر طول الليل متجولا تحت نوافذ غرفتها. فهل أنت راض عن هذه الإفادات.
فلم يجبه أندريا بشيء عن سؤاله، وأخذ يفتكر بتلك السلسلة التي جمعت تريزا وهرمين وأمها وخطيبها ورولاند، وبعد أن أمعن الفكرة طويلا نظر إلى كولار وقال: أتعرف منزل باكارا؟ - نعم، فهو في شارع موتسي. - حسنا، فإن هذه الفتاة ستخدمني، وأنت فهل تحب سريز حبا شديدا؟ - لا أعلم، ولكني رأيتها في عنفوان الشباب كثيرة الجمال، فتقت إلى أن أتخدها خليلة لي، فأنا أحبها ولا أحبها. - ولكن إذا احتجنا إليها؟
فنظر إليه نظرة انذهال وحيرة، وقال: لم أفهم ما أردت! وكيف تحتاج إليها؟ - لننصب منها فخا لبيرابو، ويجب قبل شيء أن نتخلص من خطيبها ليون، فإنه يثقل علينا. - إن هذا رأي جليل، وسأشرع في إنفاذه هذه الليلة في بلفيل. - إذن لا يسوءك ذلك؟ - كلا، ولا سيما أننا مضطرون إلى إجرائه، وفوق ذلك لا داعي إلى الغيرة من الكهول.
فنادى أندريا خادمه، وأمره أن يهيئ المركبة، ثم قال لكولار: يجب أن تجد لي من اليوم إلى ثلاثة أيام منزلا للأجرة في الشانزليزه مع إصطبل للخيل، والآن اذهب لقضاء هذه المهمة ولا تغفل عن أمر ليون.
فذهب كولار، أما أندريا فإنه ركب المركبة وسارت به إلى منزل باكارا، وكانت باكارا لا تزال في غرفة النوم، وقد لسعتها عقرب الغيرة من هرمين وألفت السهاد، ولم تذق طعم الكرى، ولم تكن تعرف الحب قبل أن رأت فرناند، فكانت تهزأ بالهوى وتعبث بعشاقها، وهي بغير قلب يحن وبغير نفس ترحم، لا يهمها سوى جمع المال واحتقار الرجال وتركهم يقتتلون لأجلها، وهي ضاحكة لاهية، ومحبها يكتئب وينتحب حتى نفذت إليها سهام الهوى، وعرفت أن لها قلبا كقلوب البشر، وأحالها الحب من الحيوانية إلى الإنسانية، وجعلت تعض يديها من الغيرة، وهي تردد بصوت منخفض اسم فرناند.
وكانت قد اضطجعت على فراشها من الساعة العاشرة، وهي ترجو أن تطعم النوم، وتعلل نفسها بخيال من تحب، ولم يغمض لها جفن، وما زالت تتقلب على مثل الغضى إلى أن طرق الباب ودخلت خادمتها تخبرها بزيارة أندريا وبيدها رقعته.
فقالت لها: لا أريد أن أقابل أحدا، فأخبري كل من يزورني أني لست في المنزل.
وخرجت الخادمة، ثم رجعت بعد هنيهة، وقالت لها: سيدتي، إن هذا الرجل يلح في طلب مقابلتك، وهو واسع الثروة كما يظهر.
وأخذت باكارا رقعة أندريا وقرأت فيها: «السير فيليام ... بارون»، ثم ألقتها على منضدة أمامها وقالت: إني لا أعرف هذا الإنكليزي.
Unknown page