فضحك الحاضرون لمزاحه، أما شاروبيم فإنه عاد إلى حديثه فقال: ولقد خدعت كثيرا من النساء، ولكني لا أزال طامحا إلى غواية اثنتين، إحداهما كليوباترا ملكة مصر.
فضحك الجميع ضحكا شديدا، ثم طلبوا إليه أن يخبرهم باسم الثانية، فقال: هي باكارا المعروفة بأنها دون قلب، إلا أنه كان يفصلني عن كليوباترا ما بيني وبينها من الأدهار، وكان يفصلني عن باكارا عيشتها الطاهرة وتوبتها التي لم يكن يشك أحد بصدقها، أما وقد عادت إلى العيش، فلا يفصلني عنها شيء بعد الآن.
فقال له البارون صديق الروسي: إنك ستضيع وقتك عبثا، فإن باكارا لا تحب سوى الذهب، ومهما بلغ من جمالك فإنك لا تبلغ شيئا من قلبها، ولو تلبست بلباس جدك الدون جيان؛ لأنها دون قلب، ومن كان مفلسا فإن الملوك أنفسهم لا تستطيع نيل حق منه. - ولكني سأعرف أين أجد منها حقوقي.
فانبرى له عند ذلك الكونت الروسي وقال له: أتأذن لي بكلمة؟ - بل بعشرين. - إنك تدعي أنك قادر على غواية باكارا. - لا أدعي ذلك ادعاء، بل أعتقده اعتقادا. - ألعلك واسع الثروة؟ - كلا، فإن إيرادي لا يتجاوز ثلاثين ألف فرنك في العام. - أما أنا، فإن إيرادي يبلغ عشرين مليونا، وربما تجاوز هذا القدر، وقد عزمت على أن تكون لي. - إذن فستفعل فعلي. - نعم، فهل لك أن تعقد رهانا بسيطا؟ - أجل، بملء الرضى. - إني أمهلك خمسة عشر يوما، فإذا ظفرت بفؤادها وحملتها على حبك، فإني أدفع لك خمسمائة ألف فرنك في هذا المكان الذي نحن فيه. - أقبل.
فصاح الجميع قائلين: وإذا خسر الرهان؟
فأجاب الروسي ببرود: إنه ليس بغني أراهنه على المال، ولكنه إذا لم يفز بحمل باكارا على حبه بعد هذا الأجل المعين ، فإني أقتله.
فأجفل الحاضرون، وقد رأوا من ملامح الكونت الروسي أن وجهه يتجهم من الغضب، وأنه لم يمزح فيما يقول، وقالوا لشاروبيم: ماذا تقول في هذا الاقتراح؟ - إنه شرط صعب يقتضي له الإمعان والتفكير.
وقال البارون دي مينرف: بل إن تنفيذه محال.
فقال الروسي: لماذا؟ - لأننا في فرنسا، وهي بلاد لا تأذن شرائعها لأحد ببيع النفوس وشرائها، فإذا قبل شاروبيم أن تقتله، فإن الشريعة الفرنسية لا تقبل. - إني درست شرائع بلادكم، وأنا أعلم منها ما تعلمون. إلا أني أجد لهذه العقدة حلا بسيطا يتيسر فيه بيع النفوس، وذلك أنه إذا خسر خصمي الرهان تبارزت وإياه بالمسدسات، إلا أن مسدسه يكون خاليا من الرصاص ومسدسي محشوا، فيموت في عين الحكومة موت المبارز، وفي عين الحقيقة موت الخاسر في وجميعكم من أهل النبل والشرف، فإذا قتلته على هذا الشكل، فإنكم تكتمون دون ريب حقيقة السبب في قتله.
وصاح الجميع: كلا إن هذا محال! - إذن فليرجع عن قصده.
Unknown page