284

Rocambole

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Genres

فامتثل الخادم وذهب بها إلى القاعة، فلما وصلت إليها صرفته في شأنه وجلست تنتظر، ولم يطل جلوسها حتى عادت الفيروزة إلى منزلها، ثم دخلت إلى القاعة لترى الزائرة وهي تعلم أنها باكارا.

وكانت الفيروزة لا تزال بملابس العاملات وعلى رأسها قبعة بيضاء، فحسبت باكارا أنها إحدى خادمات القصر، وقالت: ألم تحضر سيدتك بعد ؟ - نعم يا سيدتي، قد حضرت. - إذن فأخبريها أني أنتظرها.

فذهبت الفيروزة وأغلقت الباب ثم قالت: عفوك يا سيدتي، فإني لبست هذه الملابس لبعض الأغراض، وأنا هي السيدة التى تريدين أن تريها والتي يلقبونها بالفيروزة.

فنظرت إليها باكارا عند ذلك نظرة الفاحص الخبير وقالت: أحقيقة أنت هي؟ - نعم يا سيدتي، إني مستعدة لخدمتك، وإن أكن لم أتشرف قبل الآن بمعرفتك. - إن لي اسما آخر غير الذي قرأته على رقعة زيارتي، ولا بد أن تكوني قد سمعت بهذا الاسم، فإنه باكارا.

فأظهرت الفيروزة عند ذلك حركة عجبية جمعت بين الإعجاب والانذهال والاحترام، فقالت: أنت هي باكارا؟ - كلا، ولكني كنت أدعى بهذا الاسم حين كنت تائهة في بوادي الغي والضلال، أما اليوم فقد تبت توبة صادقة عما اقترفته من الآثام، وصرت أدعى مدام شارمت كما ترينه على رقعة زيارتي.

فأحنت الفيروزة رأسها وقالت: نعم، لقد علمت بتوبتك أيضا، ولكني كنت أذكرك كل يوم بما أجده في هذا المنزل الذي كنت تقيمين فيه قبلي، وكل ما فيه يدل على سلامة الذوق وحسن الاختيار. - كيف علمت أني كنت أقيم في هذا المنزل؟ - علمته من سائق مركبتك الذي كان في خدمتي. - ألم يخبرك عني سوى هذا؟

فتلبست الفيروزة بملابس السذاجة وقالت: إنه كان يخبرني بكل ما يعلمه من أمرك ومعاملتك لعشاقك، فكنت أجعلك مثالا لي لخداع أولئك الأغرار، حتى إني كنت أقلدك في كل شأن، لما بلغت من الشهرة، بل إني أبقيت جميع ما في هذا المنزل على حالته القديمة كي لا أخرج عن تقليدك في شيء.

فابتسمت لها باكارا وقالت: ألم يخبرك هذا السائق أيضا كيف أني خرجت من منزلي هذا؟ - نعم، فلقد قال لي إنك أنت التي كان يترامى الأمراء على أقدامك ويموتون لكلمة تخرج من فمك، بل كنت تفتخرين بأن قلبك لا يعرف الهوى، ولكن نفذت أشعة الغرام إلى هذا القلب وأحببت ذلك الحب الذي كنت تجهلينه، فتخليت عن كل هوى واعتزلت الناس وجميع ما كان يحيط بك من السعادة من أجل هذا الحبيب، أليس ذلك أكيدا؟ - إنه إذا لم يصدق كله فقد صدق بعضه، والآن أتمي حديثك ألم يخبرك هذا السائق شيئا عن الذي كنت أحبه؟ - نعم، ولكني أسألك الصفح يا سيدتي، فإني أخاف إذا قلت أن يكون هذا السائق كاذبا فيما أقول، أو أكون قد فتحت منك جرحا قديما قد اندمل بتقادم الأيام. - لا بأس قولي ما تعلمين. - أخبرني هذا السائق أن ذلك الحبيب الذي خرجت لأجله من نعيمك كما خرجت حواء من الفردوس، لم يكن غير لص.

فلم تضطرب باكارا بل قالت لها: أصدقتيه فيما يقول؟ - بل قال لي أيضا أن الجنود قبضوا عليه في منزلك، وأخرجوه منه وأنت مغمى عليك، فلما عاد إليك رشادك وعلمت بما كان، خرجت من ذلك المنزل تائهة والهة لا تلوين على أحد، فلم يعلم ما كان من أمرك. - أهذا كل ما علمته؟ - نعم، ولكني قلت في نفسي إنك لا بد أن تكوني قد أفرغت جهدك في سبيل إنقاذه. - لقد أصبت في ما ظننته، ولكن أنقذته براءته لأنه لم يكن سارقا.

فتظاهرت الفيروزة بالسرور وقالت: إذن أنت سعيدة وإياه؟ - كلا، لأنه كان يحب سواي.

Unknown page