276

Rocambole

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Genres

وكان في مؤخر المركبة خادمة غرفة الفيروزة، فتظاهرت أنها تلتفت إلى ورائها اتفاقا، حتى إذا رأت فرناند يسير بإثر المركبة أظهرت الانذهال وقالت لمولاتها كلمة لم يسمعها فرناند لبعده عنها، ولكنه علم أنها أخبرتها بأمره؛ وذلك لأن الفيروزة أمرت السائق بالإسراع، فضرب الجياد بسوطه الطويل فاندفعت تنهب الأرض وتسبق الرياح.

وحسب فرناند أنها تريد الفرار منه، فلكز بطن جواده وأطلقه في إثرها، وما زال يطاردها حتى أدركها بعد أن خرجت من أبواب باريس وسار جواده بجانب مركبتها.

نظرت إليه وصاحت صيحة انذهال، ثم قالت: كيف أنت هنا وما أتيت تعمل؟

فتلعثم لسانه ولم يدر ماذا يجيب، ولكنها أجابتها عيناه بلغة تفصح أكثر من أبلغ الكلام عن مراد القلوب، فابتسمت له وقالت: إلى أين أنت ذاهب؟ - لا أعلم. - ومن أين أتيت؟ - من باريس. وقد سكن اضطراب فرناند وقال: وأنت إلى أين تذهبين؟ - إني مغادرة باريس كما ترى. - أيطول غيابك عنها؟

فأرخت عينيها وقالت بصوت يتهدج: سأغيب عاما على الأقل.

فاضطرب فرناند وقال: كلا، إن هذا محال. - كيف تراه محالا وأنت تراني مسافرة على الطريق! ثم أشارت إليه مسلمة بيدها وهي تقول: إني ذاهبة إلى فلورنسا لأقضي فيها بقية الشتاء، فأستودعك الله واذكر كتابي.

غير أن فرناند قد عزم عزما أكيدا ، فاستوقف السائق وقال لها: سيدتي قلت لك أن سفرك محال لأنك لا تستطيعين السفر الآن.

فقطبت حاجبيها وقالت: من يمنعني عن السفر؟ - أنا، وذلك لأني أقفو أثرك حين خروجك من باريس لأني أود محادثتك في شأن خطير، فإن أبيت علي ذلك، فإني ألقي نفسي بين دواليب مركبتك.

قالت وهي تبتسم تبسم الرضى: إني لا أريد لك الموت، ماذا تريد؟

ثم أوقفت المركبة ونزلت منها ونزل فرناند عن جواده، فتأبط ذراعها وسار وإياها إلى فندق قريب وهو يقول: إننا سنتغدى في هذا الفندق ونتباحث فيه، فإما تعودين إلى باريس أو تسافرين بعد الغداء.

Unknown page