4
ولما بلغا إلى داخل البيت الذي كانا يجوزان إليه من أبواب سرية دخلا إلى غرفة الطعام، وجلسا حول المائدة يأكلان ويتحدثان، وقد افتتح الحديث أندريا فسأله: كيف حال الصندوق؟
فأجابه روكامبول: أي صندوق تعني؟ أصندوق الشركة أم صندوقي الخاص؟ - بل صندوقك؛ فإني أعلم ميزانية الشركة. - لقد ذهب معظم مالي بما أخسره في المقامرة، فقد خسرت أمس مائة جنيه، وأنت الذي أمرتني أن أخسر. - هو ذاك؛ فإنه يجب على المرء أن يزرع كي يجني، ومن يحسن الزرع يحسن الحصاد. - وإني أنفق كثيرا على هذه الخليلة التي لا أعلم كيف أرضيها، وهي كالحوت لا يرويه شيء يلتهمه. - إنك ستطلق سبيلها في القريب العاجل، فلم يعد لي بها حاجة وقد أدركت منها ما أريد.
فأجابه روكامبول: وقد جمعت نفقاتها ونفقات المنزل وخسائر القمار فبلغت 40 ألف فرنك في هذا الشهر، ولا يمضي على ذلك زمن يسير حتى تفرغ جيوبي. - لا بأس فسأملؤها إذا كنت تحسن الطاعة والسلوك.
فنفر روكامبول وقال: لعل مولاي يشكو مني قصورا في طاعتي وامتثالي؟ - كلا، ولكننا مقدمون على أمر خطير يجب فيه الطاعة العمياء. - أيطلعني سيدي على حقيقة ما ينويه؟ - نعم، فإن لي بك ملء الثقة، وما أتيت إليك في هذه الليلة المدلهمة إلا لهذا الغرض، ولا بد لي قبل إطلاعك على ما أريد من مقدمة صغيرة، وهي أن الطاعة والحب والإخلاص ومعرفة الواجبات كلها كلمات لا معنى لها في قاموسنا، ومن كان مثلنا لا يدفعه إلى الإخلاص غير الفائدة والصالح، وهذا هو خير تعريف لما يدعوه الناس بالصداقة، ودليل ذلك أنك لو عثرت على رجل أشد مني في مواقف الذكاء، وأفادك مما أفيدك لتخليت عني ونقضت عهدك، أو تكون من زمرة الجهال، ولكنك لا تجد الآن؛ فأنا أطلعك على شيء من مقاصدي دون أن أخشى منك نقض عهد.
فأعجب روكامبول بكلامه وأجاب: إني طوع لإرادتك ، فمر بما تشاء. - لنبدأ من الأمور بأهمها. فقل كيف رأيت روايتي المضحكة في دخولي إلى بيت أخي؟ - هي خير ما رأيته على مسارح التمثيل، فقد أتقنت تمثيلك والإغماء على قارعة الطريق، حتى لقد خدعت به أنا على ما أعرفه من حقيقته، ولو لم أكن أنا ذلك السائق الذي كان في مركبة أخيك لداستك المركبة، ثم إن توبتك وندمك وجميع ما تبديه من مظاهر الصلاح لا يقوى على بعضه أشهر الممثلين، ولكني لا أظنك تستطيع أن تعيش طويلا على هذا التقشف والزهد. - إني أعيش دهرا عيشة الأذلاء كي أروي غلي من الانتقام، وإن الانتقام أعرج بطيء السير، ولكنه يصل.
ثم أخذ أندريا يتأمل هنيهة، وهو يعد أصابعه فقال: نبدأ بالكونت أرمان لأنه أعظم أعدائي. - وأنا أبدأ بخنجري فإنه أفضل سلاحي. - كلا لم يحن الوقت بعد. ثم أتليه بامرأته حنة؛ فإنها لم تحبني بعد ولكنها ستحبني، ثم أتليها بباكارا، فإنها ستبكي بكاء شديدا حين أقبض عليها وتندم الندم العظيم لإفلاتها من مستشفى المجانين.
فقاطعه روكامبول: ولكنها في جمالها وذكائها، وخير لك أن تكون صديقتك. - لدي أفضل منها، وهي ستكون لك بدلا من خليلتك، إذا أحسنت السلوك.
ثم عاد إلى حسابه وأضاف: وبعد باكارا يأتي فرناند روشي؛ فقد اتهمناه بالسرقة فلم نفلح، ولا نفوز الآن أيضا بمثل هذه التهم، فإنه من كبار الأغنياء. ولكننا سنمثله للقضاء قاتلا سفاكا، والثروة لا تعصم الأغنياء من جريمة القتل. - وما عساك تصنع بامرأته هرمين؟
فأجابه أندريا ببرود: إن هذه المرأة قد تنازلت إلى حبها، فرفضت حبي؛ ولذلك سأسحق كبرياءها بقدمي وأرمي فؤادها بهوى يحط مقامها ويصم حياتها الحاضرة والمستقبلة بوصمة عار لا تمحى، فأجعل عرضها مضغة الأفواه وأزج بها إلى الحضيض. ثم أضاف: وبعد ذلك يأتي دور ليون رولاند؛ فلقد قتل هذا الأبله كولار رئيس عصابتي السابق، ودم رجالي لا يذهب هدرا. - وماذا تصنع بامرأته سريز؟ - الحق أني لا أريد بهذه المرأة شرا، ولكن والد هرمين لا يزال مفتونا بها، حتى لقد جن في هواها، وقد وعدته وعودا أحب أن أنقضها. - أهذا كل ما تبغيه من الانتقام؟ - أجل. - وحنة امرأة أخيك؟ - إني لا أكرهها بل أحبها.
Unknown page