27
كان بنيامين شيخا قوي البنية طويل القامة، وقد ابيض شعره واتقدت عيناه، فكان له عمر الشيوخ وهمة الفتيان.
فلما جلست أورور تصغي إلى حديثه وجلس أمامها قال: نعم إني مخبرك بسر عائلتك؛ فقد آن لك أن تقفي على كل مكنون من أمورها. ثم قص عليها ما يأتي فقال: إني كنت واثقا ثقة تامة من إخلاص الأميرة هيلانة لأمك كريتشن ولحنوها عليها بحيث لم أعد أراقبها مراقبتي الأولى لاعتمادي في ذلك على الأميرة.
ثم إني كنت لم أبلغ بعد حد الكهولة فما عركني الدهر وما خبرت قلوب البشر؛ ولذلك لم أدقق في البحث عما طرأ على أمك من التغيير، فإنها استحالت من حال إلى حال، فبعد أن كانت باسمة الثغر طلقة المحيا أصبحت مفكرة مهمومة تبدو عليها آثار الكآبة في كل حين، فكنت أقول في نفسي إن هذا الانقباض قد تولاها بعد أن وقفت على مصائب عائلتها، ولا بد أن يمحو مرور الأيام هذه الذكرى من مخيلتها فتعود إلى فطرتها.
غير أني كنت مخطئا في تعليل انقباضها، فإن السبب فيه كان حبها للكونت وعبث الكونت بها.
وقد ساعد الكونت وأمك على هذا الحب حالة البرنسيس في ميونخ؛ فإنها كانت متزوجة الكونت حقيقة، غير أن الكونت لم يكن يحبها، وإنما كان يستخدم حبها لأغراضه، فكان يحضر إلى قصرها في كل يوم، ولكنه كان يقيم في دار السفارة بحيث وثقت أمك لسلامة نيتها أنهما غير زوجين وأن الكونت سيتزوجها كما وعدها بعد ذلك العبث.
ولم تكن الأميرة عارفة بشيء من أسرار هذا الغرام، غير أن امرأة أوقفتها على كل خفي، وكانت هذه المرأة تلك الأرملة التي جاء بها الكونت دي مازير إلى ميونخ، وأقامها في قصر الأميرة؛ أي امرأة أخيه الذي مات في باريس عنها وعن طفل صغير ...
فقاطعته أورور وقالت: ألم يكن هذا الطفل ابن عمي لوسيان؟
قال: بلى يا سيدتي، فإن الكونت دي مازير كان يحب عائلته، وكان ملك بافاريا راضيا عنه يريد له الخير، فاغتنم هذا الرضى الملكي فجاء بامرأة أخيه وابنها، فأقامهما في قصر الأميرة هيلانة، وجاء بأخيه الثالث فجعله من رجال التشريفات في بلاط الملك. - من هو أخوه الثالث؟ أليس أبي؟ - بلى هو أبوك الشفالييه دي مازير، وقد رأى أمك كريتشن فأحبها، وهو يعلم أن أخاه المحسن إليه يحبها حبا لا يوصف، ولكنه لم يبال بأخيه.
وأما امرأة عمك؛ أي والدة لوسيان، فإنها حين رأت أمك المرة الأولى نفرت منها وكرهتها كرها شديدا لحسد منها.
Unknown page