أما الكونتس فإنها نظرت إليه، وقالت له بلهجة المتهكم المنتقم: أراك يا ابن عمي العزيز قد أحييت العصور السالفة، إنك وحدك تحاصر حصنا حصينا لاختطاف فتاة.
ثم ضحكت ضحكا شديدا وقالت: نعم، إن الحصن لم يكن إلا دكان حداد، وإن الفتاة لم تكن إلا قروية من رعاة الخرفان، ولكن ذلك كان سائغا في العصور الوسطى، فأهنئك ببسالتك.
وعند ذلك ذهبت مع رفيقيها إلى حيث ربطوا الجياد، وقف لوسيان لا يعي ولا يدري ما يصنع لفرط اضطرابه، ولبث واقفا وهم يتوغلون في الغابة حتى تواروا عن الأنظار.
فثاب من دهشته وتمثل له ضحك الكونتس ونظرات الفارسين كسهام من نار، فقال: إني لا أستطيع مبارزة امرأة، ولكن هذا الشفالييه سيرى مني ما يؤدبه خير تأديب.
وكانت الجماعة قد احتجبت عن نظره غير أنه كان لا يزال يرى نور المشعل، فدفع فرسه إلى جهة النور فرأى ابنة عمه تسير إلى جانب الشفالييه.
وكان بنوات الأحدب يثب وراء فرس لوسيان ويحاول أن يخفف وطأة هياجه، ولكن الغضب كان متمكنا من نفس الكونت فلم يحفل بكلامه، إلى أن قال الأحدب بلهجة المتوسل: بالله قف يا سيدي واسمع ما أقول.
أوقف الكونت فرسه وقال: ماذا تريد؟ - أريد أن أسألك إذا كنت تنوي اللحاق بهم. - دون شك. - أشير عليك يا سيدي ألا تفعل. - لماذا؟ - لأنك في أشد حالات الهياج، فقد يدفعك الغضب إلى فعل ما لا تود أن تفعله، وعندي أنه خير لك أن تسير في هذا الطريق الذي يؤدي توا إلى قصرك بدلا من التعريج بسولي، فإن جوادك يعرج وطريق سولي شاقة السير. - أتصحبني إلى القصر؟ - نعم يا سيدي، وهي فرصة أغتنمها لمحادثتك.
فأطرق الكونت هنيهة مفكرا، ثم قال: هلم بنا وسر بجانبي.
فمشى الأحدب بجانبه وقال له: لقد كان هذا اليوم يوم شقاء يا سيدي الكونت، ولو اتبعت نصيحتي منذ البدء لما أصابك شيء من هذا، وأصغ إلي يا سيدي، فإني لا أعرف البارون دي بوليو فلا أقول عنه خيرا ولا شرا، ولكني أعرف الشفالييه حق العرفان. - وما رأيك فيه؟ - إنه من رجال الشر والمكر. - أتظن ذلك؟ - بل أؤكده لك يا سيدي، وأزيدك أنه مفتون بالكونتس أورور، وهو الذي قال لها كل شيء. - ماذا قال؟ - أخبرها أنك تختلف دائما إلى محل الحداد، وأنك عاشق لقريبته.
فعاود لوسيان الغضب عند سماع اسم داغوبير وقال: أما هذا فسأعاقبه شر عقاب. - إنك مخطئ يا سيدي كل الخطأ إذا انتقمت منه. - كيف أكون مخطئا بعدما رأيت ما بدر منه؟ - لأن داغوبير قد فعل ما يجب عليه، فإن الشرف يا سيدي لا ينحصر بأهل الجاه والمال والنبل، وقد أردت إغواء قريبته فلم يطق الصبر على هذا العار.
Unknown page