ويذكر القراء أننا تركنا حنة مشغولة البال من وداع أندريا لها وتظاهره بحبها، وما ألقاه عليها من عبارات ذلك الغرام المصطنع، الذي يشبه تجربة الشيطان للإنسان، وقد كان مضى عليها إلى ذلك اليوم ثمانية أيام من ذهاب أندريا عنها، وهي لا يقر لها قرار من غريب ما سمعت ورأت. إنها أصبحت مخدوعة مأخوذة لا تدري إلى أي الرجلين تميل، إلى الذي أحبته أو إلى الذي قال لها أنا هو، وبالتالي أتحب الجسم أم الاسم؟ وهل تهوى الخادم الذي أنقذها أم الرجل الحقيقي الذي انتحل ذلك الخادم اسمه؟ ثم تغالبها أفكارها، ويقوى عليها جمال من تهواه، فتقول لرفيقتها سريز: لا يمكن أن يكون ذلك الرجل خادما، ولا يمكن أن يخدعني قلبي.
فلما كانت في مساء ذلك اليوم سمعت مركبة دخلت الدار، ودخل عليها الخادم، وقال: قد أقبل مولاي الكونت دي كركاز.
ثم خرج ودخل أندريا مسرعا إليها وركع أمامها وقبل يدها، وقال: لقد سمح لي الدهر أن أراك أخيرا.
فنظرت إليه ورأت على وجهه ذلك الجمال الجهنمي الذي لا يمكن للشيطان أن يتزيا بأحسن منه، فخانتها قواها وصاحت صيحة منكرة وهي تحسب أنها في حلم لا في يقظة، فأخذها بين يديه وهو يخاطبها: يا حنة، ويا حبيبتي، ويا حياتي، ها قد حضرت إليك، ولا فراق يفصل بيننا بعد فأنت ستصبحين عروسي.
فأطبقت الفتاة عينيها وهي ترتجف تحت عوامل وجد ونفور لا يمكن إيضاحهما، ثم تمثلت لها صورة أرمان، فاضطربت في مكانها.
والتفت السير فيليام إلى سريز وكانت واقفة تنظر إليهما، وقال لها: إنك سترين حبيبك قريبا، وغدا تزفين إليه.
فسقطت الفتاة على كرسي من هذه المفاجأة، فنهض إليها أندريا وسقاها بعض نقط من زجاجة كانت معه، فانتعشت واستوت جالسة، فقال لها: اذهبي إلى الغرفة التي كنت فيها في وسط الحديقة وانتظري قليلا، فإن ليون آت إليك.
ثم أوصلها إلى الباب فانطلقت مسرعة مستبشرة بقرب اللقاء، وخلا له الجو، فعاد إلى حنة وعيناه تبرقان بنار الانتقام، وانطلقت سريز مسرعة إلى تلك الغرفة المنفردة، وهي لا ترى في طريقها أحدا من الخدم، كأن القصر أصبح خاليا لا أنيس به سواها، حتى بلغت غرفتها فوجدت فيها مصباحا منيرا، ولكنها لم تسمع حسا ولا حركة فجلست على كرسيها، وإذا برجل قد ظهر بغتة فصاحت وهي لا تعي: ليون! ولكنها لم تلبث أن تأملته حتى صرخت من الرعب، وعرفت أن الداخل عليها بيرابو ذلك الشيخ القبيح المكروه، فأقفل الباب وراءه وتقدم إليها قائلا: ما أسعدني بلقاك أيتها الحبيبة!
فنهضت سريز من مكانها مذعورة وهربت من وجهه إلى آخر الغرفة، فقال لها ضاحكا: ما هذا الذي تفعلينه؟ أتهربين من وجه من يهواك؟
ثم أقبل عليها فهربت من وجهه، ووقعت وراء منضدة تحول بينها وبينه، فقال لها هازئا: كفى مداعبة وجنونا يا حبيبة قلبي، فإنك لا تلبثين أن تتعبي، ويكون لي ما أريد.
Unknown page