ومع أن الله كشف عن نفسه لموسى فإن الإسرائيليين لم يعلموا عنه شيئا يذكر. وقد ظهر ذلك بوضوح عندما عظموا العجل وعبدوه بعد بضعة أيام، معتقدين أن العجل هو هذه الآلهة التي أخرجتهم من مصر. إن من الواجب قطعا ألا نعتقد أن أناسا غارقين في خرافات المصريين، أعني أناسا أجلافا أنهكهم شقاء العبودية، قد عرفوا الله معرفة صحيحة، أو أن موسى قد علمهم شيئا أكثر من قواعد السلوك في الحياة، ولم يعلمهم ذلك كفيلسوف، بحيث يستطيعون أن يحيوا سعداء بفضل تمتعهم بالحرية الكاملة، بل علمهم ذلك كمشروع بحيث تدفعهم طاعة أوامر الشريعة إلى مثل هذه الحياة. وهكذا، فإن قاعدة السلوك التي تؤدي إلى الحياة السعيدة، أي إلى الحياة الحقة، وإلى حب الله وعبادته؛ كانت بالنسبة إليهم عبودية لا حرية حقيقية، أي نعمة وفضلا إلهيا. لقد أمرهم موسى بحب الله وبتطبيق شريعته ليتعرفوا على النعم التي وهبهم الله إياها من قبل (أي الحرية من بعد عبوديتهم في مصر ... إلخ)، كما هددهم بأشد العقاب إذا عصوا هذه الأوامر ووعدهم بأحسن الجزاء إذا هم أطاعوها. وهكذا علم موسى العبرانيين كما يعلم الآباء الأطفال الذين لا عقل لهم على الإطلاق؛ ولذلك، فإن من المؤكد أنهم جهلوا تماما سمو الفضيلة والسعادة الحقة.
67
وقد ظن يونس
68
أنه قد تنصل من حضور الله، وهذا يدل - فيما يبدو - على أنه اعتقد أيضا أن الله قد نقل رعاية المناطق الأخرى خارج يهودا إلى قوى أخرى تحل محله. ولا نرى في العهد القديم من تحدث عن الله بطريقة عقلية إلا سليمان الذي استطاع بالنور الفطري أن يتفوق على عصره كله؛ ولذلك رأى نفسه أسمى من الشريعة (لأن الشريعة وضعت للذين لا يتمتعون بالعقل وبتعاليم النور الفطري) ولم يعبأ بكل القوانين الخاصة بالملك، والتي تتكون من ثلاث مجموعات رئيسة، إلا في حالات قليلة (انظر: التثنية، 17: 16-17)
69
بل خرقها علنا، وإن كان مخطئا في ذلك، ولم يكن سلوكه سلوك فيلسوف جدير بهذا الاسم لسعيه وراء اللذات، وقد نادى بأن كل الخيرات التي تجلبها الثروة هي أمور زائلة عند الفانين (انظر: الجامعة) وأن الذهن أعظم ما لدى البشر، وأن ضياع العقل أشد عذاب يمكن أن يصيبهم (انظر: الأمثال، 16: 22).
70
ولكن لنعد الآن إلى الأنبياء لنتحدث طبقا للخطة التي وضعناها عن اختلافهم في الآراء. لقد بدت أفكار حزقيال للأحبار الذين نقلوا لنا كتب الأنبياء (أو ما بقي منها) مناقضة لأفكار موسى (انظر الرواية في رسالة السبت، الإصحاح 21، ورقة 33، ص2)
71
Unknown page