Rihla Fi Fikr Zaki Najib Mahmud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Genres
1
كان يحفظ بعض قصار السور من القرآن الكريم. وظلت هذه الخبرة الدينية المبكرة لطفل في الرابعة من عمره، أو بعد الرابعة بقليل، تعتمل في نفسه، وتتردد بين جوانحه طوال حياته لدرجة أنه يذكرها بتفصيل واضح حتى «بعد أن جاوز الشيخ الثمانين من عمره».
2
يقول عن هذه الخبرة الدينية المبكرة «كان ما يحفظه من القرآن هو أوضح معالم الساعات التي كان الطفل يقضيها في الكتاب كل يوم. ولا عجب أن أرى شيخ الثمانين، إذا ما استعادت له الذاكرة حياته طفلا، لا يكاد يذكر من خبرة الكتاب شيئا مما كان يقرؤه أو يكتبه من أحرف الهجاء أو أعداد الحساب، أما ما كان يحفظه ويعيده أمام الشيخ ربيع من آيات القرآن الكريم؛ فهو باق في ذاكرته في وضوح ناصع ...»
3
صحيح أنه يذكر لنا أن ما استقر في أعماقه، ولم ينسه أبدا هو وقع النغم القرآني في مسمعيه، لكنا لا يمكن أن نتوقع شيئا أكثر من ذلك من طفل في هذه السن الصغيرة، وإن كنا نود أن نلفت النظر إلى أن «وقع النغم القرآني» لم يكن بالأمر الهين، فقد كان مأخوذا به على نحو ملك عليه نفسه، حتى إنه كان «يردد الآيات القرآنية ما بقي له من صحو النهار» ... «ومن يدري هل كانت تلك الفتنة بإيقاع النغم القرآني تختفي عنده في نعاسه، أو كانت تواصل ظهورها في أحلامه.»
4
وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن هذه الخبرة الدينية المبكرة قد تغلغلت في كيانه كله، ولم تفارقه بعد ذلك قط، حتى وإن بدا أنها قد توارت في سنوات معينة، إلا أنها كانت في الواقع في مرحلة «كمون»، ثم ظهرت واضحة بعد ذلك، فخبرات الطفل في السنوات الأولى من حياته، لا سيما إذا كانت عميقة، لا تمحى من نفسه على الإطلاق.
ومن الطبيعي أن يكون «النغم القرآني» هو وحده ما سحره دون أن يفهم شيئا من معاني الألفاظ التي يكثر من ترديدها ... «بل لا أظنه كان يدرك أن للآيات الكريمة التي كان لها في أذنيه ذلك الإيقاع معان يعرفها أو لا يعرفها.»
5
Unknown page