Rihla Fi Fikr Zaki Najib Mahmud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Genres
44
ولكن الفكر التجريبي لا يبنى على مثل هذه «المبادئ»: فاللغة لا تسيغ للعالم أن يقول إن «مبدئي» هو أن سرعة الضوء هي كذا؛ فتلك حقيقة من حقائق الطبيعة، وليست مبدأ مفترضا.
45
ثم نراه في هذا القسم يمد الفروض الرياضية إلى مجال آخر هو «الفكر السياسي»، فها هنا كذلك تبدأ النظرية السياسية من مبدأ معين يقيم عليه بناءها كله، كما هي الحال في الفلسفة السياسية عند كل من «توماس هوبز» 1586-1679م، وجون لوك 1632-1704م، الأول يجعل أساس بناءه السياسي «حق الحكم للأقوى»، في حين أن الثاني يقيم نظريته السياسية على أساس أن حق الحكم لمن يختاره الشعب.
46
ثم يوسع الفكرة نفسها لتشمل المذاهب الفلسفية: «فلكل فيلسوف شيء يسميه في فلسفته «بالمبدأ الأول»، قاصدا بذلك الفكرة الأم في نسقه الذي يبنيه، وهي الفكرة التي يعتصر منها كل أجزاء بنائه الفلسفي، فيها يقيم البرهان على كل ما يزعمه بعدها، وأما هي فلا برهان عليها؛ إذ لو كان عليها برهان لكانت فكرة البرهان هي الأسبق في أولويات العقل، ولم يعد «المبدأ الأول» لا «مبدأ» ولا «أول» ...»
47
وينتهي من ذلك إلى أن المبادئ في شتى البناءات الفكرية، ليست «حقائق» تفرض نفسها على الإنسان، بل هي بحكم طبيعتها «فروض يفرضها الإنسان لنفسه حرا مختارا لتخدم غرضه، فإن أفلحت في خدمة تلك الأغراض، كان بها، وإلا فهو يبدلها بسواها حتى يقع على أنفع المبادئ لحيادته العملية.
48
غير أنه لا يعرض لهذه الأفكار بالشرح والتحليل، ويقف عند هذا الحد، وإما «يوطنها» في خدمة مشروعه الثقافي في تجديد الفكر العربي، وفي خدمة منظوره الذي ينظر منه إلى التراث العربي: «فقد كانت لأسلافنا مبادئ معينة فيما يعد شعرا، وما لا يعد شعرا، وفيما يكون أدبا من النثر وما لا يكون أدبا، وقياسا على هذه المبادئ يعمل النقاد.»
Unknown page