Rihla Fi Fikr Zaki Najib Mahmud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Genres
وينتهي مفكرنا من هذه الانتقادات التي يوجهها إلى الفلسفات والنظريات التي أنكرت وجود النفس، إلى نظرية جديدة يرى فيها أن النفس هي «فعل بواسطته يجمع الفرد ما يبدو أنه يساعده في حفظ وجوده ...»
42
وهي شرط أساسي بدونه تصبح الرغبة، والنفور، والانتقاء، والإثبات والنفي ... إلخ أمورا مستحيلة، وبدون افتراضه، من ناحية أخرى، لا يستطيع الفرد أن يشعر ويدرك ويفكر، أنه الصورة؛ أعني الخاصية الأساسية للفاعل السيكوفزيقي التي تجعله ينتقي العناصر التي لا غنى عنها لوجوده، وباختصار هو المركز الموحد أو الفعل المتضمن في عملية الانتباه.
43
ومهما يكن من شيء في أمر تعريفه للنفس بأنها «الفعل المتضمن في عملية الانتباه»، وسواء اتفقنا أو اختلفنا معه بشأن هذا التعريف، فإن الأمر الجدير بالملاحظة حقا هو أنه كان في قمة هذه المرحلة يدافع عن «وجود النفس» ضد منكري هذا الوجود.
وعلينا قبل أن نغادر هذه المرحلة أن نشير إلى ملاحظتين هامتين:
الأولى:
أن هذه المرحلة الأولى، مرحلة التدين الخالص، لم تستبعد تماما النظرة العلمية، بل كانت، على العكس، تحمل بذور المرحلة الثانية، مرحلة العقل الخالص، التي ستظل تعمل بداخله حتى تظهر واضحة بعد عودته من إنجلترا، فقد كان «خلال تلك الأعوام نفسها تغلب عليه النظرة العلمية الصارمة، التي لم تكن تريد له ألا يأذن لشيء في الوجود كله أن يفلت من قبضة العلم، لا يستثنى من ذلك القيم الخلقية نفسها وما نسميه بالمثل العليا ...»
44
حتى إنه حاول، في أواسط الثلاثينيات، أن يعلل تعليلا علميا الظاهرة التي لاحظها وهي أن الأوروبي أكثر تمسكا بحريته وفرديته من الشرقي، فكتب بحثا رد فيه هذه الظاهرة إلى طبيعة التنفس في الهواء البارد والتنفس في الهواء الدافئ أو الحار، ونوع الطعام الضروري في كلتا الحالتين! «مثل هذا التصور للتفكير العلمي، نراه قد استبد بصاحبنا في كثير جدا من محاولاته خلال الثلاثينيات ...»
Unknown page