والتهب وجه الملكة غضبا، فقالت بانفعال: لم تعدي الحقيقة، فسيذكر قصرك هذه المرة ذكرا جميلا لا كما تعود أن يذكره الناس.
فنظرت إليها بسخرية تستر غيظا وحنقا، وقالت: ألا سحقا للناس .. أيذكرون بالسوء قصرا يجعله مولاهم مرتعا لقلبه وهواه!
وتلقت الملكة هذه الطعنة بجلد، ونظرت إلى الغانية نظرة ذات معنى، وقالت: ليست الملكات كغيرهن من النساء يشغلن قلوبهن بالحب. - أحقا يا مولاتي؟ .. كنت أحسب الملكة امرأة بعد كل شيء.
فقالت الملكة بلهجة مغيظة: هذا لأنك لم تكوني ملكة في يوم من الأيام.
فامتلأ صدر المرأة وتصلب، وقالت: عفوا يا مولاتي، إني ملكة حقا.
فحدجتها بنظرة غريبة، وقالت بسخرية: يا للعجب! وعلى أي مملكة؟!
فقالت بزهو كبير: على أوسع الممالك طرا .. قلب فرعون.
وأحست الملكة بوهن وألم، وخجل، وأيقنت أنها انحدرت إلى مساجلة الراقصة في القتال، وأنها خلعت ثوب الجلال والوقار، وتبدت عارية في جلد المرأة الغيور التي تنافح لاسترداد رجلها، وتمسك بتلابيب غريمتها وتكيد لها كيدا. ونظرت لموقفها وموقف غريمتها، وهي تجلس منها جلسة متعجرفة، وترد سهمها إلى نحرها، وتتيه عليها بحب زوجها وسلطانه، فشعرت بغرابة وذهول وحيرة، وتمنت لو تكون في حلم ثقيل سخيف.
وأماتت عواطفها جميعا، ودفنتها في أعماق نفسها، وارتدت سريعا إلى طبيعتها المتعالية، وجرى في عروقها مكان الغضب والحقد دم أزرق لا يدين بغير الكبرياء، فذكرت الغرض الذي جاءت من أجله، وصدقت عزيمتها على أن تكفر عما بدر منها.
وطالعت المرأة بوجه هادئ ظاهرا وباطنا، وقالت لها: أيتها السيدة، إنك لم تحسني لقاء الملكة، ولعلك أسأت فهم الغرض من زيارتي فثرت وغضبت، ولكن اعلمي علم اليقين أني ما قصدت إلى قصرك لشأن يخصني أنا.
Unknown page