فسكتت رادوبيس وحدجتها بنظرة مليئة بالارتياب.
ولم يسكت عنها الحقد أو الغضب. وتناست الملكة، وقالت في هدوء: لقد جئتك أيتها السيدة من أجل أمور أجل، أمور تتعلق بالعرش المجيد، والسلام الذي ينبغي أن يسود العلائق بين صاحب العرش ورعاياه.
فقالت رادوبيس بانفعال وسخرية: يا للأمور الجليلة! وماذا أستطيع حيالها يا مولاتي؟ .. ما أنا إلا امرأة يلذ الحب أن يجعلها شغله الشاغل.
فتنهدت الملكة، وأغضت عن لهجتها، وقالت: أنت تنظرين إلى أسفل، وأنا أنظر إلى أعلى .. لقد حسبت أنك تغارين على مجد مولاك وسعادته، وإذا صدق حسباني، فينبغي أن تهديه سواء السبيل. إنه يفني في قصرك تلالا من الذهب، وينتزع من صفوة رجاله أراضيهم حتى ضج الناس بالألم، وجأروا بالشكوى، وقالوا إن مولانا يبخل علينا بمال يبعثره على امرأة يحبها بغير حساب. فواجبك إن كنت تغارين على مجده حقا، بين كالشمس في يوم صاف .. أن تصديه عن الإسراف، وتقنعيه برد المال إلى أصحابه.
ولكن رادوبيس لم يدعها الغضب تفهم ما تقوله الملكة حق الفهم، وكان وجدانها ثائرا وحقدها شديدا، فقالت بقسوة: إن الذي يحزنك حقا هو أنك ترين الذهب يتحول مع عطف فرعون إلى قصري.
فانتفض جسمها، وسرت فيه قشعريرة، وصاحت بها: يا للبشاعة!
فقالت رادوبيس بغضب وخيلاء: لن يفرق شيء بيني وبين مولاي.
فغلب الصمت لسان الملكة، وأحست بيأس شديد وجرح عميق في كبريائها، ولم تطمع في فائدة من الانتظار، فقامت واقفة وولت المرأة ظهرها، وسارت في طريقها متألمة حزينة غاضبة، لا تكاد ترى طريقها من شدة الغضب.
وصعدت رادوبيس أنفاسا مضطربة، وأسندت رأسها الساخن إلى كفها، وراحت في تفكير قلق حزين.
قبس من نور
Unknown page