106

Rabb Zaman

رب الزمان: الكتاب وملف القضية

Genres

وتروي كتب الأخبار وطبقات الشعراء كيف كانت المرأة تستشار في عظائم الأمور، كما في حادثة سعدى أم أوس الطائي، ناهيك عن مشاركتها للرجال في ساحة القتال، تحثهم على المثابرة وشد أزرهم، وتداوي الجرحى وتدعو للأخذ بالثأر، فيستبسل الرجال مخافة سبي نسائهم، وقد كان لواء «الحارثية» في شعر حسان بن ثابت وراء نصر قريش في غزوة أحد على المسلمين، فعندما سقط لواء المكيين هرعت إليه «الحارثية» وسط الرماح والسيوف وحملته، فتجمعت حوله فلول المنهزمين، وظلت تهتف بهم حتى عادوا وحملوا على المسلمين حملة شديدة. ودور «هند بنت عتبة» في ذات المعركة من أهم الأدوار في تاريخ تلك الحروب، حيث أتت بنساء مكة وقيانها يشحذن الرجال، وينشدن الأناشيد الحماسية لتأجيج الحمية القتالية. وكانت «هند» من شاعرات العرب اللائي يصفن المعارك ويحسن تصوير الأبطال، واشتهرت أيضا «كفيلة بنت النضري»، و«أروى بنت الحباب»، و«بنت بدر بن هفان» والهيفاء القضاعية. ولا مراء أن الخنساء ذهبت من بينهن بعمود الشعر رثاء وفخرا وحماسة وحربا.

ولا يغيب على فطن انتساب قبائل العرب إلى أمهاتها، مثل بجيلة وخندف وطهية ومعاوية ونويرة، ويبدو أن الحرص على مكانة الأم كان وراء حرص العربي على كرم النسب وطهارة الرحم، وقد ذكر كتاب الأغاني في حديثه عن حرب الفجار أن «مسعود الثقفي» ضرب على زوجته «سبيعة بنت عبد شمس» خباء، وقال لها: من دخله من قريش فهو آمن، فجعلت توصل في خبائها ليتسع.

وفي الأشعار تقدير عربي شديد للمرأة، فيخاطبها إذا كانت زوجة بأفضل الألقاب، فهو يقول لها:

يا ربة البيت قومي غير صاغرة

ضمي إليك رحال القوم والقربا

واللقب، وتعبير «غير صاغرة» يشير إلى أي درجة من السمو كانت.

الشكل الآني

أما أصحاب الاتجاه الآخر، فيستندون إلى ذات المعطيات وذات المادة التاريخية، ليعطونا صورة من أشد الصور بخسا بحق المرأة، فكانت تورث مع المتاع إذا توفي زوجها، ويرث الولد زوجة أبيه ويتصرف فيها حسب مشيئته، فبإمكانه أن يتزوجها، أو يزوجها لغيره ويأخذ مهرها، أو يعضلها حتى تموت؛ أي يمنعها من الزواج حتى تدفع فدية عن نفسها، فهي في منزلة بين الإنسان والأنعام، أو هي مثل متاع البيت متعة لصاحبه، وسميت متاعا بالفعل، مهمتها الاستيلاد والخدمة، وشاع الكثير عن بغض العرب للبنات، حتى سئل أعرابي: ما ولدك؟ قال: قليل خبيث، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا عدد أقل من الواحد، ولا أخبث من بنت.

وهذا «أبو حمزة العيني» يهجر زوجته إلى بيت مجاور بعد أن ولدت بنتا، حتى أمست تقول شعرا:

ما لأبي حمزة لا يأتينا

Unknown page