ونهد هكتور إلى البرج، فلقيته أندروماك بعينين مغرورقتين ووجه شاحب وجبين مغضن وصدر ينوء بما فيه من الهموم.
كانت تقف ابنة إيتيون الجميلة البارعة، وعلى ذراعها المرمري الفاتن طفلها الرضيع الشاحب، الذي حل بهذه الدنيا الهازلة ليكون عبرة سخينة من عبرات الحزن القاهر، ثم ليكون مأساة وحده حين تضع هذه الحرب الضروس أوزارها، وحين يشب فلا يرى حوله إلا الباكين والمحزونين، وإلا هذه المدينة الكاسفة التي تعصف بها آلهة الحرب من غير ما شفقة ولا مرحمة!
وتعلقت أندروماك بذراعي زوجها، وشرعت تنظر في عينيه المبللتين، وتقول له: «هكتور! رجلي وذخري من هذه الحياة! إلى أين أيها الحبيب؟ أما لهذه الحرب الطاحنة من نهاية؟ أهكذا قضت الآلهة على طروادة الخالدة بالحزن الأبدي والأسى المقيم؟ هكتور! ألا تفكر في سلم يرفرف على ربوع الوطن، ويبقي على هذا الشباب الذي تعصف به ريح الحرب؟
رجلي!
إن آلافا من الهواجس السوداء تضغط على قلبي تحدثه بالعقبى الوخيمة والأيام الباكية القريبة!
هكتور؟
هذه أشباح القتلى الأعزاء من بني وطني تحدثني عن مأساة أبي وإخوتي السبعة، والمئين من أهلي، قتلهم أخيل الجبار بيده السفاحة، وجعل من جثثهم كومة عالية تقص على القرون تاريخنا الحزين!
لقد هرعوا جميعا إلى هذه الساحة من قيليقية ملبين نداء الملك، الملك التاعس، أبي، الذي سعى إلى طروادة لينام أبد الدهر في ظل أسوارها نومة لا قريرة ولا هانئة.
هكتور!
لقد نام أعز الآباء في تراب ساحتكم دفاعا عن مدينتكم، ولكن المأساة لم تتم بقتله وقتل أبنائه والمئين الأعزاء من بني جلدته، ولكن المأساة أبت إلا أن تكون أمي ... آه يا أمي العزيزة! أن تكون هذه الأم صفحة محلولكة من صفحاتها التي تفجر الدم في القلب، وتضرم النار في الحشا!
Unknown page