لقد ساقها أخيل يا هكتور في جملة السبي، ولولا القود الكبير والفدية الغالية التي بذلناها من أجلها لكانت إلى اليوم - لو مد في أجلها - إحدى خادمات الأعداء الذليلات اللواتي لا يملك لهن في هذا الآسار عزة، ولا يقدر لهن أحد شأنا! لكنها سقطت هناك؛ في هامش هذه الساحة الظالمة، ضحية سهم مراش من قوس الإلهة ديان، فكأنما رفضت أن ترفع كأس هذه الحياة إلى فمها النقي الطاهر، بعد إذ لوثته أحداث الدهر بذل الإسار!
هكتور!
كل هذه النوازل هدت نفسي، وحطمت قلبي، وأثلجت مشاعري، وجعلتني بائسة تاعسة موهونة لا حول لي، لولا أنك إلى جانبي تأسو جراحي وتؤنس وحشتي، وتشيع نورا متلألئا في ظلمات حياتي! فأنت لي اليوم أب نعم الأب، وأنت لي في وحدتي بقلبك الحنون أم نعم الأم، وأنت لي أخ، بل أنت لي كل شيء في هذه الدنيا!
هكتور!
ابق إلى جانبي فأنا لا أستغني عنك بأب أو أم أو أخ، أو بمملكة يزين مفرقي تاجها المشرق ويشد يميني صولجانها الرنان!
ابق إلى جانبي يا هكتور!
ابق إلى جانبي وارع هذا الطفل، ولا تسلمه وتسلمني لليتم والشقاء.
هكتور!
إن المستقبل يعبس من اليوم لولدك سكمندريوس؛ فرده عنه، وادفع عاديات الزمان من الآن عن فلذة كبدك وحبة قلبك، واستشعر نحوه حنان الأب الرحيم، ولوعة الأم المفئودة!
وخنقتها عبرة حجبت عن ناظريها نور الحياة، وحبس منطقها كمد ممض وحزن أليم؛ ووقف هكتور مبهوتا لا يحير، ينظر إليها مرة، وإلى ولده أخرى، ثم يلقي على طروادة نظرات.
Unknown page