326

Qahira

القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل

Genres

في مصر كان النمو العمراني منذ نصف قرن يسير في خطوط ملتزمة بلوائح البلدية قدر الإمكان، ولكن مع تزايد السكان رأى المختصون إمكان تطبيق فكرة المدن التوابع حول القاهرة كما أسلفنا. لكن ما نفذ في لندن أو استكهولم، على سبيل المثال، يختلف جوهريا عن القاهرة في:

أولا:

أن النمو السكاني في العالم الأوروبي الغربي يكاد يقترب من الصفر، بينما نمو سكان مصر هو 2٪ سنويا - بمعنى أننا ننمو بمقدار أربع إلى خمس مرات قدر تلك الدول.

وثانيا:

البيئة الطبيعية في غرب أوروبا مختلفة في أنها ليست بيئة جافة تفتقر للماء كحال مصر، ومن ثم تحتاج إلى مواصفات خاصة.

ثالثا:

أن الأوروبيين يلتزمون بالقانون واللوائح التي تنطبق على الجميع دون استثناء، بينما الالتزام بالقانون في مصر ضعيف في أكثر الحالات، وترتب على ذلك أن حواجز الأمان الفاصلة بين المدينة الأم والمدن التوابع ظلت قائمة للحفاظ على البيئة والاستمتاع بها في أوروبا.

أما في العالم الثالث: فإن المدن الحلقية - أقيمت فيها أنشطة خاصة أو لم تقم - تدير وجهها نحو المدينة الأم، بدلا من الاحتفاظ بمدن الحلقة كل داخل إقليمه. نجد الرغبة تتولد في النمو تجاه المدينة الكبيرة بحكم اعتياد الحركة اليومية للعمالة في هذه المدن، والأغلب أن تستجيب الأجهزة الإدارية والوزارية لهذه التوجهات، وهذه الاستجابة قد تكون بوعي وإدراك لتنفيذ غرض معين؛ كالاستفادة من المسافات الحاجزة في إقامة مشروعات محددة، مثل: إقامة أسواق الجملة في العبور و6 أكتوبر. ويؤدي وجود الطريق والماء والكهرباء إلى ضغوط للحصول على أراض لإشباع المتطلبات العديدة لأية تنمية عمرانية أو إنتاجية، والأغلب أن عنصر المضاربة على الأرض من جانب الإدارة الحكومية أو المستثمرين يكون له الريادة على بقية العناصر؛ مما يؤدي إلى افتعال أسعار عالية لأرض لم يكن لها قيمة بصورة عامة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الناتج المحلي العام بضع سنوات، ثم يهبط إلى قيمته الحقيقية محولا الكثير من المدخرات التي دفعت في شراء هذه الأراضي إلى قبضة رمال!

وقد فعلنا نحن ذلك حول القاهرة بصورة مبالغ فيها، وحول الإسكندرية بصورة أقل؛ فإن إنشاء العاشر من رمضان كان عملا جيدا في حد ذاته كمدينة صناعية وسكنية متكاملة في مخططها الأصلي، ونجح المخطط بدرجة حسنة في إقامة المصانع، وبالرغم من التساؤلات حول ماهية القيمة الفعلية، وديمومة المنشآت الصناعية في ظل التسهيلات التي تمنحها الدولة، فإن الصناعة قد أرست جذورا في العاشر. أما الشق الثاني من المخطط - وهو إقامة سكن دائم لغالبية العاملين في المصانع؛ فما زال دون التحقيق بنسبة كبيرة، فمعظم المقيمين أو أصحاب الوحدات السكنية لا يرتبطون بصناعات العاشر. ويحتاج الأمر إلى دراسة جادة، ومكاشفة صريحة؛ لتبين من هم سكان العاشر من رمضان: هل منهم نسبة من العازفين عن حياة المدن الكبيرة وخاصة من أصحاب المعاشات، أو مستثمرين ورجال أعمال يقضون عطلة نهاية الأسبوع، أو يقيمون مآدب لعقد صفقات العمل؟ أم أخيرا هم فعلا من العاملين في إدارة وصناعة العاشر؟ وتبقي الحقيقة أن الجانب الأكبر من العاملين في العاشر - وكذا 6 أكتوبر - يقيمون في القاهرة الكبرى، ويقومون برحلة العمل اليومية صباحا ومساء عبر طريق الإسماعيلية الصحراوي وطريق الهرم وفيصل. فهذا أمر لا ينكره كل ذي عينين حتى لو كان قلبه مغلقا عن المعنى وراء هذا الهول من الازدحام كأنه الحشر مكررا!

ومع تحفظات معروفة عن الطبيعة الجيوفيزيقية لموضع مدينة 15 مايو، فإنها الوحيدة من مدن الحلقة التي تقع في مواجهة المجمعات الصناعية في إقليم حلوان، وبالتالي فإنها مارست وظيفتها السكنية المؤهلة لها بطريقة جيدة. أما مدن الحلقة الأخرى فلم تؤد إلى تخفيف عبء السكان والضغط على المرافق والخدمات في القاهرة، ولم تعط الفرصة لتفريغ القاهرة من المساكن المتهالكة؛ ولهذا فإن إعادة بناء القاهرة بتنمية أحزمتها الفقيرة لم تتم، وأصبحت القاهرة متحفا اجتماعيا شديد التفاوت يتجاذبه قطبي الفقر المدقع والغنى الفاحش متمثلا في أحياء متجاورة كالزمالك والمهندسين إلى جوار إمبابة أو الدقي وبولاق الدكرور أو جاردن سيتي والسيدة زينب ودار السلام والمعادي ... إلخ. ويتسلل داخلها وخارجها السكن العشوائي كالنبات المتسلق فوق الأسطح أحيانا، وكالخلايا السرطانية في الهوامش أكثر الأحيان.

Unknown page