إذا تروح ضيف أهلك أو غدا ... فخذي التأهب نحو آخر مقبل
وقال له رجل: إنك والله ظريف لفظ، وظرف علم، ووعاء حلم، غير أنك بخيل. فقال: وما خير ظرف لايمسك مافيه؟! - وسلّم أعرابي عليه فقال: كلمة مقولة. قال: أتأذن في الدخول؟ قال: وراءك أوسع عليك! قال: هل عندك شئٌ يؤكل؟ قال: نعم. قال: أطعمني! قال: عيالي أحق به! قال: مارأيت ألأم منك! قال: نسيت نفسك! - وكان يقول: ليس السائل الملحف مثل الردّ الجامسّ أي الجامد.
وكان أبو الأسود قد أتخذ دكانًا على باب داره بقدر مجلسه، لايسع غيره وغير طبق يكون بين يديه يأكل منه، فإذا مرّ به مار فسلم عليه عرض عليه طعامه، فينظر فلايرى لنفسه موضعًا، فيدعو له وينصرف. فمر به أعرابي وهو يأكل، فدعاه، فأجابه وأقبل يأكل معه وهو قائم؛ فلما اشتد عليه القيام أخذ الطبق فوضعه في الأرض وقال له: إن كان لك في الطعام حاجة فانزل وكل! وأقبل الأعرابي يأكل، وأبو الأسود ينظر إليه ويتغيظ، ثم قال: ماأسمك، يأعرابي؟ قال: لقمان. فقال: لقد أصاب أصلك اسمك! ثم أنشأ يقول:
أنظر الى جلسته ومطه ... ولقمه مبادرًا وغطه
ولفه رقاقه ببطه ... كأن جالينوس تحت ابطه
وسأله رجل فمنعه، فقال: ماأصبحت حاتميًا! قال: بلى أصبحت حاتميًا من حيث لاتدري! أليس حاتم الذي يقول:
أماويَّ إما مانعٌ فمبين ... وأما عطاءٌ لاينهنهه الزجر
وكانت له ناحية من عبد الله بن عامر، فأنكر بعض شأنه ورأى منه جفوة، فقال أبو الأسود:
ألم تر مابيني وبين ابن عامر ... من الود قد بالت عليه الثعالب
وأصبح ماقد كان بيني وبينه ... كأن لم يكن، والدهرُ فيه العجائب
فقلت: تعلم أن صرمك جاهرا ... ووصلك عنه شقةٌ متقارب
فما أنا بالباكي عليك صبابة ... ولا بالذي تأتيك مني المثالب
إذا المرء لم يحببك إلا تكرها ... فذلك من أخلاقه ما يغالب
فللنأي خير من دنو على أذى ... ولاخير فيمن خالفته الضرائب
كان أبو الأسود صديقا لحوثرة بن مسلم عامل إصبهان، فخرج إليه، فلم يحفل به حوثرة، فكتب إليه:
إنك اليوم امرؤ محتقرٌ ... خصَّه الله بلؤم وضعه
يسأل الناس ولا يعطيهم ... هبلته أمه ما أخضعه
لاتؤاخ الدهر خبا راضعًا ... ملهب الشد سريع المنزعه
خفق النعل إذا ماقلته ... واحذرن مخزاته في المجمعه
لايكن برقك برقا خلبًا ... إن خير البرق ما الغيث معه
لاتشوبن بحق باطلا ... إن في الحق لذي الدين سعه
أولها:
سل خليلي ماالذي غيَّر لي ... وده والنصح حتى ودعه
لاتهني بعد إذ أكرمتني ... فشديد عادةٌ منتزعه
فلما قرأها أعياه جوابه. فعرضه على جماعة شعراء، فلم يجترؤا على أبي الأسود، فأجابه عنه عطية بن حمزة بأبيات لم يلتفت إليها، فأجابه أبو الأسود:
ألم تر أني والتكرم شيمتي ... وكلُّ أمرىٍ جارٍ على ماتعودا
أطهر أثوابي من الغدر والخنا ... وأنجو إذا ماكان خيرا وأنجدا
أعود على المولى إذا زال حلمه ... بحلمي وكان الحلم أبقى وأحمدا
وكنت إذا المولى بدا لي غشه ... تجاوزت عنه وانتظرت به غدا
لتحكمه الأيام أو غيره ... عليَّ ولم أبسط لسانًا ولايدا
فحمل إليه حوثرة مائة درهم.
ولما كبر أبو الأسود كان يكثر الركوب، فقيل له: قد كبرت، فلو تودعت ولزمت منزلك! فقال: صدقتم! ولكن الركوب يشد بضبعي، وأسمع من الخير مالاأسمع في بيتي، وأستنشق الريح وألقى الإخوان، ولو جلست في منزلي اغتم أهلي واستأنس بي الصبي واجترأت عليَّ الخادم، وكلمني من أهلي من كان يهاب كلامي، لإلفهم إياي وجلوسي عندهم.
وله:
أظل كئيبًا لو تشوكك شوكة ... وتفرح لو دهدهت من رأس حالق
لشتان مابيني وبينك في الإخا ... صدقتك في نفسي ولست بصادق
1 / 7