عُتِقت حتى لو أتصلت ... بلسان ناطقٍ وفم
لاتبت في القوم ماثلة ... ثمَّ قصت الأمم
فقال: كان هذا في نفسي. ثمّ نكت في الأرض ورفع رأسه وقال: يا محمد، قد قلت شعرا في شربنا! ثمّ أنشدني " من البسيط ":
إني وأنت رضيعًا قهوةٍ نطفت ... عن العيان ودقَّت عن مدى الفهم
مابيننا رحمٌ إلا إدارتها ... والكأس حُرمتها أولى من الرحم
وقال محمد بن يزيد: كنتُ بباب المأمون، إذ جاءه محمد بن أبي محمد اليزيدي، فقال له الحاجب: قد أخذ أمير المؤمنين دواءٍ وأمرني أن لاآذن لأحد. فقال له: فأمرك ألا تدخل رقعة؟ قال: لا. فدعا بدواةٍ وقرطاس وكتب " من الوافر ":
هديتي التحية للإمام ... إمامِ العدل والملك الهمام
لأني لو بذلت له حياتي ... وما أحوي لقلا للإمام
اراك من الدواءِ الله نفعًا ... وعافيةً تكون إلى تمام
وأعقبك السلامة منه ربٌّ ... يريك سلامةً في كل عام
ااذن في الدخول بلا كلام ... سوى تقبيل كفك والسلام
فأدخل الحاجب الرقعةَ وخرج مبادرًا وأدخله، فقبل يده، ثمّ ضمه إليه، وحمل معه ثلاثة آلاف دينار. - وقال " من الكامل ":
نعم المحدّث والنديمُ كتابُ ... تلهو به إن ملك الأحباب
لا مفشيًا سِرًا إذا استودعته ... ولديه ما تحيى به الألباب
لا عيب فيه غير أنَّ ندامهُ ... لا أكلَ فيه وليس ثمَّ شراب
٢٠ - ومن أخبار أبي إسحاق إبراهيم بن أبي محمد اليزيديّ
كان ذا حظ وافرٍ من الأدب، وله الكتاب الذي يصول به اليزيديون ويفتخرون وهو " ما أتفق لفظه واختلف معناه " في نحو من سبعمائة ورقةٍ، وله " كتاب مصادر ونوادر من لغات العرب " وكان شاعرًا فاضلا.
حضر مجلس المأمون يحيى بن أكتم وإبراهيم بن أبي محمد اليزيدي، فأقبل يحيى على إبراهيم يمازحه فقال يحيى لإبراهيم: مابال المعلمين ينيكون الصبيان؟ فرفع إبراهيم رأسه، فإذا المأمون يحرش يحيى على العبث به، فغاظ ذلك إبراهيم فقال إبراهيم: أمير المؤمنين أعلم خلقِ الله بهذا، إلا أنَّ أبي أدَّبه. فقام المأمون من مجلسه، ورفعت الملاهي وكلّ ماكان بحضرته، فأقبل يحيى على إبراهيم فقال: أتدري ما أتيت وما تكلمت؟ إني لأحسب أنّ هذا سبب زوال أمركم! قال إبراهيم: فزالت عني سورة النبيذ، وسألت بعض الخدم أن يحضر لي دواةٍ ورقعة، فأحضرها، فكتبت معتذرًا " من الطويل ":
أنا المُذنب الخطاء والعفو واسعٌ ... ولو لم يكن ذنبٌ لما عرف العفو
سكرت فأبدت مني الكأس بعض ما ... كرهت وما إن يستوي السُكر والصحو
ولاسيما إذ كنتُ عند خليفةٍ ... وفي مجلسٍ ما إن يليقُ به اللغو
ولولا حميًا الكأس كان احتمال ما ... بدهت به لاشك فيه هو السرو
تنصلت من ذنبي تنصل ضارع ... إلى من لديه يغفر العمد والسهو
فإن تعفُ عني ألفِ خطوي واسعًا ... وإن لايكن عفوٌ فقد قصر الخطو
قال: فأدخلها الحاجب ثمّ خرج إلي فأدخلني، فمدّ المأمون باعيه، فأكببتُ على يديه فقبلتهما، فضمني إليه وأجلسني ثمّ قال: مه يا أبا إسحاق، فإن الشراب بساط يطوي ماعليه.
٢١ - ومن أخبار أبي عليّ اسماعيل بن أبي محمد اليزيدي
كان راويةً أديبًا شاعرا، وابنه أبو الحسن أحمد مثله، ولإسماعيل كتاب في طبقات الشعراء لطيف، ومات أحمد قبل أبيه وأسن إسماعيل وله " من البسيط ":
أتت ثمانون فاستمرت ... بالنقص من قوتي وحزمي
فرقّ جلدي ودقّ عظمي ... واختل بعد التمام جسمي
وقد رماني الزمان منه ... في العين من ركبتي بسهم
فإن أنؤتؤت لا بحمد ... لقوةٍ الساق بل بذم
كأن ما كنت فيه مما ... خلا من العيش ضغث حلم
٢٢ - ومن أخبار أبي جعفر أحمد بن محمد بن أبي محمد اليزيدي
1 / 33