والحرص من شر أداة الفتى ... لاخير في الحرص على حال
من بات محتاجًا إلى أهله ... هان على ابن العم والخال
ما وقع الواقع في ورطة ... أزرى به من رقة الحال
وقال " من البسيط ":
رزقت جودًا ولم أرزق مرؤته ... وما المروءةُ إلا كثرة المال
إذا أردت مساماة تقاعدني ... عما ينوه باسمي رقة الحال
وقال " من الوافر ":
وهذا المال يرزقه رجال ... مناديل إذا اختبروا فسول
ورزق الخلق مجلوب إليهم ... مقادير يقدرها الجليل
كما تسقى سباخ الأرض ريا ... وتصرف عن كرائمها السيول
فلا ذو المال يرزقه بعقل ... ولا بالمال تقتسم العقول
وقال في تفضيل شكر الشاكر على إنعام المنعم " من الطويل ":
وما بلغ الإنعام في النفع غايةً ... من الفضل إلا مبلغ الشكر أفضل
وما بلغت أيدي المنيلين بسطة ... من الطول إلا بسطة الشكر أطول
ولا رجحت بالمرء يومًا صنيعة ... على المرء إلا وهي بالشكر أثقل
وقال " من المجتث ":
إن لم يكن لك لحم ... كفاك خلُّ وزيت
أو لم يكن ذا وهذا ... فكسرة وبييتُ
تظل فيه وتأوى ... حتى يجيئك موتُ
هذا عفاف وأمن ... فلا يغرك ليت
وقال يصف قصر عيسى بن جعفر بالخريبة " من البسيط ":
زر وادي القصر نعم القصر والوادي ... لابدَّ من زورة من غير ميعاد
زره فليس له شبه يعادله ... من منزل حاضرٍ إن شئت أو باد
ترفى قراقيره والعيس واقفة ... والنون والضب والملاح والحادي
القراقير: ضرب من السفن، وترفى: أي توقف السفن بها، والمعنى أنه مجمع البر والبحر. وقال - وقيل: هي لأبي عيينة المهلبي " من المنسرح ":
يا جنة فاقت الجنان فما ... تبلغها قيمةٌ ولا ثمن
ألفتها فاتخذتها وطنًا ... إن فؤادي لأهلها وطن
صاهر حيتانها الضباب بها ... فهذه كنة وذا ختن
من سفن كالنعام مقبلةٍ ... ومن نعامٍ كأنها سفن
سأل الأخفش الخليل: لم سميت الطويل طويلًا؟ قال: لأنه تمت أجزاؤه. قال: فالبسيط؟ قال: لأنه أنبسط عن مدى الطويل. قال: فالمديد؟ قال: لتمدد سباعيه حول خماسيه. قال: فالوافر؟ قال: لوفارة الأجزاء. وتدا بوتد. قال: فالكامل؟ قال: لأن فيه ثلاثين حركة لم يجتمع في غيره. قال: فالرجز؟ قال: لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة الرجزاء. قال: فالهزج؟ قال: لأنه يضطرب شبه هزج الصوت. قال: بعض. قال: لأنه يسرع على اللسان. قال: فالمنسرح؟ قال: لانسراحه وسهولته. قال: فالخفيف؟ قال: لأنه أخف السباعيات. قال: فالمقتضب؟ قال: لأنه اقتضب من الشعر لقلته. قال: فالمضارع؟ قال: لأنه ضارع المقتضب. قال: فالمجتث؟ قال: لأنه أجتث، أي قطع من طول دائرته. قال: فالمتقارب؟ قال: لتقارب أجزائه، وإنها خماسية كلها يشبه بعضها بعضًا.
وتردد إلى مجلس الخليل بعضهم فلم يحظ منه بطائل لقصور فهمه، فقال له الخليل " من الوافر ":
إذا لم تستطع أمرًا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
وقال: أنا أول من سمى الأوعية ظروفًا، وإنما قيل للإنسان ظريف لأنه جعل ظرفًا لأدب ونظافة. - قالت امرأة الخليل له: لاأراك تجلس عندي كثيرا. قال: ما أصنع عندك؟ أنت تجلين عن دقيقي وأنا أدق عن جليلك! ومات الخليل سنة ستين ومائة. - قال عليّ بن نصر: رأيت الخليل في النوم فقلت في نفسي: لاأرى أحدًا من أسلافنا في النوم أعقل من الخليل. فقلت ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني! ثم قال لي: رأيت ماكنا فيه ما انتفعنا بشئ منه، وكله باطل، ولكن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ما رأينا انفع منهن!
١٧ - ومن أخبار أبي محرز خلف بن حيان الأحمر
1 / 26