وقال: الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال. - وقال " من الطويل ":
تكثر من الإخوان ما اسطعت إنهم ... بطون إذا استنجدتهم وظهور
وما بكثير ألف خل لعاقل ... وإن عدوا واحدًا لكثير
وقال: إذا أخبرك بعيبك صديق قبل أن يخبرك به عدوٌ فأحسن شكره واقبل نصحه، فإنك إن قبلته لم ينفعه وإن رددته لم تضر إلا نفسك! ومن أظهر لك عيوبًا وكشف لك عن مكروه قناعًا فقس ما غاب عنك بما ظهر لك من فعله! وأنشد " من الكامل ":
ليس المسئ إذا تغيب سوءه ... عني بمنزلة المسء المعلن
من كان يظهر ما أحب فإنه ... عندي بمنزلة الأمين المحسن
والله أعلم بالقلوب وإنما ... لك ما بدا لك منهم بالألسن
وكان الخليل قد نظر في النجوم وبالغ وأشرف على مالا يحب، ثم لم يرضها، فأنشأ يقول " من الخفيف ":
أبلغا عنيّ المنجم أني ... كافرٌ بالذي قضته الكواكب
عالمٌ أنَّ ما يكون وماكا ... ن بحكم من المهيمن واجب
شاهد أنَّ من يفوض أو يجبر ... زارٍ على المقادير كاذب
قالت القدرية: لايكون قدرٌ من الله عملًا مني. والمعنى: لايكون معنيان في شيء واحد. فكلم الخليل رجلًا منهم فأخذ عودًا فكسره وقال للقدري: أيُّ شيءٍ كان مني في هذا العود؟ قال: الكسر. قال: فأي شيءٍ كان من العود في نفسه؟ قال: الانكسار. قال: قد اجتمع المعنيان في شيء واحد الكسر والانكسار.
قال الخليل: بعث إليَّ المهدي، فأتيته وهو جالسٌ في الماء على سريرٍ له إلى صدره، فسلمت عليه. فقال لي: إني اشتهيت الحديث الساعة، فحدثني! ثم قال: حدثني عن القمر! فلم أدر عن أيه أحدثه، ثم عرض لي أن قلت: قيل للقمر: كم أنت ابن ليله؟ قال: رضاع سخيله. قيل: لليلتين؟ قال: حديث أمتين بكذب ومين. قيل: ابن ثلاث؟ حديث فتيات مختلفات. قيل: ابن أربع؟ قال: عتمة أم الربع. قيل: ابن خمس؟ قال: سر وأمس. قيل: ابن ست؟ قال: سر وبت. قيل: ابن سبع؟ قال: عشية جمع. قيل: لثمان؟ قال: قمر إضحيان. قيل: لتسع؟ قال: مثقب الجزع. قيل: لعشر؟ قال: أبادر الفجر. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، قيل: لا يحفظ هذا الحديث إلا عاقل. قال: فخذه عليَّ! فأعاده كما حدثته. ثم دعا بثيابه فخرج، وأتينا بمائدة عليها خمسة قوالب كأنها الثلج، فأكل وقال: كل! فأكلت، فلم أر شيئًا قط أطيب منه. فقال لي: هذا المخ بالطبرزد، وأتي بشراب شديد الحمرة حسن اللون، فشرب ثم قال: اشرب! فظننت أنه الخمر فقلت: لاأشرب من هذا. قال: اشرب، لا ام لك! فشربت شيئًا لم أشرب مثله قط فوجدت برده في عيني. فقال: هذا عصارة الرمان، وتفاح لبنان، وعسل إصبهان، وماء المسرقان، وثلج ماسبذان، بزعفران. ثم خرجت من عنده بغير شيء.
ولما وليّ سليمان بن حيب المهلبي الأهواز زاره الخليل، فلم يحمد أمره، فرجع إلى البصرة وكتب إليه " من البسيط ":
أبلغ سليمان أني عنه في سعةٍ ... وفي غنىً غير أني لست ذا مال
سخى بنفسي أتي لاأرى أحدا ... يموت هزلًا ولايبقى على حال
وإن بين الغنى والفقر منزلة ... مخطومة بجديد ليس بالبالي
الرزق عن قدرٍ لاالضعف ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال
إن كان ضنَّ سليمان بنائله ... فالله أفضل مسؤول لسؤال
فكتب يعتذر إليه، فلما أتاه الرسول أدخله منزله فأخذ خبزًا يابسًا فبله بماء ثم قال للرسول: أبلغ سليمان أنا لاحاجة لنا فيه مادمنا نجد هذا! - وقال وهب بن جرير: خرج أبي والخليل والفضل بن المؤتمن العتكي إلى سليمان بن الحبيب بن المهلب إلى الأهواز، فبدأ بعطاء الإثنين قبل الخليل، فكتب إليه الخليل بأبيات تمثل بها " من الكامل ":
ورد العفاة المعطشون فأصدروا ... ريًا فطاب لهم لديك المكرع
ووردت حوضك ظامئًا متدفقًا ... فرددت دلوي شنها يتقعقع
وأراك تمطر جانبًا عن جانب ... وفناء أرضي من سمائك بلقع
أبحسن منزلتي تؤخر حاجتي ... أم ليس عندك لي خير مطمع
1 / 24