أما عن شدّة ذكائه، واتقاد حافظته، فقد قال جمال الدين السرمري في أماليه: "ومن عجائب زماننا في الحفظ: ابن تيمية، كان يمرّ بالكتاب مرة مطالعة، فينقش في ذهنه، وينقله من مصنفاته بلفظه ومعناه. وحكى بعضهم عنه أنه قال: من سألني مستفيدًا حققت له، ومن سألني متعنتًا ناقضته، فلا يلبث أن ينقطع فأُكفى مؤنته"١.
ومن أقواله - رحمه الله تعالى -:
"لن يخاف الرجل غير الله إلا لمرض في قلبه؛ فإن رجلًا شكى إلى أحمد بن حنبل خوفه من بعض الولاة، فقال: لو صَحَحْتَ لم تخف أحدًا؛ أي خوفك من أجل زوال الصحة من قلبك".
ولما وُشي به إلى السلطان الناصر خاطبه قائلًا: إنني أُخبرتُ أنك قد أطاعك الناس، وأن في نفسك أخذ الملك، فلم يكترث به. بل قال له بنفس مطمئنة، وقلب ثابت، وصوت عال سمعه كثير ممن حضر: "أنا أفعل ذلك! والله إنّ ملكك وملك المغل٢ لا يُساوي عندي فلسين". فتبسّم السلطان لذلك، وأجابه في مقابلته بما أوقع الله له في قلبه من الهيبة العظيمة: إنك والله لصادق، وإن الذي وشي بك إليّ كاذب٣.
_________
١ البدر الطالع ١/٧٠.
٢ المغل: هم المغول: قوم من أطراف الصين يسكنون جبال طمغاج من الصين، ملكوا أكثر المعمور من الأرض وأطيبه وأحسنه عمارة وأكثره أهلًا وأعدلهم أخلاقًا وسيرة. في نحو سنة ٦١٦؟ خرجوا بقيادة ملكهم جنكيز خان فملكوا من أقصى بلاد الصين إلى أن وصلوا إلى بلاد العراق وما حولها، حتى انتهوا إلى إربل وأعمالها فملكوا في سنة واحدة سنة ٦١٧؟. وهم يسجدون للشمس إذا طلعت ولا يحرّمون شيئًا ويأكلون ما يجدونه من الحيوانات والميتات. وضع لهم جنكيز خان السياسات التي يتحاكمون إليها ويحكمون بها، وأكثرها مخالف لشرائع الله تعالى وكتبه، وهو شيء اقترحه من عند نفسه، وتبعوه في ذلك. انظر: البداية والنهاية ١٣/٩٠، ٩٤-٩٥، ١٢٧.
٣ الأعلام العلية للبزار ص ٧٤-٧٥.
1 / 53