المجلد الأول
مقدمة
...
مقدّمة
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران، ١٠٢] .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء، ١] .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب،٧٠-٧١] .
أمّا بعد:
فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد ﷺ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار١.
_________
١ هذه الخطبة تسمى خطبة الحاجة، وهي مأثورة عن النبي ﷺ، وهي تُشرع بين يدي كلّ حاجة. وقد أخرجها الإمام مسلم في صحيحه ١/٣٣٦، ٢/٥٩٢-٥٩٣، والإمام أحمد في مسنده ٣/٣١٠، ٣٧١. والنسائي في سننه ٣/١١٨، كتاب صلاة العيدين، باب كيف الخطبة. وابن ماجه في سننه ١/٦٠٩، كتاب النكاح، باب خطبة النكاح. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ١/٣. وقد أفردها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني برسالة جمع الأحاديث الواردة فيها، وسماها خطبة الحاجة التي كان النبي ﷺ يُعلّمها أصحابه.
1 / 5
ثم أما بعد: فإن الله تعالى لم يخلق عباده عَبَثًا، ولم يتركهم سُدى، بل أرسل إليهم أنبياءه ورسله واسطةً بينه وبينهم يُبلّغونهم أوامره ونواهيه، ويُبيِّنون لهم طريق الهدى من الضلال.
فتبارك القائل: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون، ١١٥]، ﴿أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ [القيامة، ٣٦] .
وبعثة الرسل فضلٌ منه - جلّ وعلا - ومنّة يمتنّ بها على عباده المؤمنين.
قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران، ١٦٤] .
وفي بعثة الرسل إنذارٌ منه ﵎ لبني آدم، كي لا تكون لهم حجّة على الله بعد الرسل، فيُقيم عليهم الحجة بإرسال المرسلين، ولا يقولوا بعدها: ما جاءنا مبشّرون ولا منذرون.
قال تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء، ١٦٥] .
إذ من سُنّته تعالى أن لا يُعذّب أحدًا حتى يُقيم عليه الحجة، وفي إرسال المرسلين - عليهم الصلاة والسلام - إقامة للحجة.
قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء، ١٥] .
وموضوع النبوات من أعظم أبواب العقيدة؛ إذ الإيمان برسل الله ﵎ أحدُ أركان الإيمان الستة، فلا يصحّ إيمان العبد حتى يؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرّه.
1 / 6
والنبوة هي الطريق لمعرفة محابّ الله ومساخطه، وأوامره ونواهيه، وما يُقرّب إليه، وما يُبعد عن رحمته.
لذلك اقتضت حكمته - جلّ وعلا - أن يُرسل أنبياءه ورسله لإرشاد الخلق، وتوضيح الحقّ، وبيان الشريعة والدين، وما يضمن السعادة في الدارَيْن.
وقد منّ الله عليّ إذ وفقني في مرحلة الماجستير لاختيار رسالة نافعة - بإذن الله - درستُ فيها جهود عَلَمٍ من أعلام أهل السنة في عصرنا في تقرير عقيدة سلف هذه الأمة ﵏ ألا وهو الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي - رحمة الله عليه.
وقد كانت هذه الرسالة ذات أثرٍ مبارك عليّ - بحمد الله؛ إذ وصلتني بكتب أعلام السلف، فعشت معها وقتًا طيبًا مباركًا، ووجدت في قراءتها لذّة ما بعدها لذّة.
ومن أشهر من ارتبطت صلتي بهم من كتب هؤلاء الأعلام: شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، الذي جدّد الله ﵎ به الدين في أواخر القرن السابع، وأوائل القرن الثامن الهجري.
وقد منّ الله به على المسلمين، وجعله عونًا لمن اتبع منهج سيّد المرسلين، وشوكة في حلوق المخالفين، ونُصرة لهذا الدين، ينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ كما قال سيّد الأنبياء والمرسلين ﷺ: "يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"١.
_________
١ أورده التبريزي في "مشكاة المصابيح": (رقم ٢٤٨) وفيه: عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله ﷺ: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين". رواه البيهقي.
وقد علق الشيخ الألباني على هذا الحديث بأنه مرسل؛ لأن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري هذا تابعي مقلّ كما قال الذهبي، راويه عنه معاذ بن رفاعة ليس بعمدة. لكن الحديث قد روي موصولًا من طريق جماعة من الصحابة، وصحح بعض طرقه الحافظ العلائي في "بغية الملتمس" (٣-٤) . وروى الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" (٣٥/٢) عن مهنا بن يحيى قال: سألت أحمد - يعني ابن حنبل- عن حديث معاذ بن رفاعة عن إبراهيم هذا، فقلت لأحمد: كأنه كلام موضوع؟ فقال: لا، هو صحيح. فقلتُ له: ممن سمعته أنت؟ قال: من غير واحد. قلت: من هم؟ قال: حدثني به مسكين، إلا أنه يقول: معاذ، عن القاسم بن عبد الرحمن. قال أحمد: معاذ بن رفاعة لا بأس به ... انظر مشكاة المصابيح ١/٨٢-٨٣.
وقال الذهبي عن العذري في "الميزان": ما علمته واهيًا، أرسل حديث: "يحمل هذا العلم من كلّ خلفٍ عدوله".. وسيأتي تخريجه ص (٦٧٥-٦٧٦) .
1 / 7
وقال ﷺ أيضًا: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"١.
ولا شكّ أنّ علم الأعلام، وشيخ الإسلام ﵀ من هذه الطائفة المنصورة؛ فقد حمل أمانة العلم، وبلّغها بكلّ صدقٍ وإخلاص، وجاهد بلسانه وقلمه ويده، وأُوذي بسبب صدعه بالحقّ وحرصه على هداية الخلق، وامتحن بسبب عقيدته، وضُيِّق عليه ونُفي من بلدته، وهو رغم ذلك كلّه غير مبالٍ، لا يخاف في الله لومة لائم، حتى توفّاه الله - تعالى - معتَقَلًا، لم يخش من سلطان الباطل أو يُظهر من جَلَده على باطله مَلَلًا. وقد ذهب عصره ومضى إلى الربّ خصومه، ومات من كانوا يكيدون به، لكن لم يمت علمه ولم ينطفئ نوره بل بقي شعلةً تُنير الطريق لسالكي الطريق المستقيم؛ طريق الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
_________
١ أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" ٣/١٥٢٣، كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: "لا تزال طائفة..".
1 / 8
وقد طبّقت شهرة شيخ الإسلام الآفاق، ووضع الله لكتبه القبول، ونهل الناس من معينها الرقراق.
ومن تلكم الكتب: كتاب «النبوات» الذي يعتبر من أفضل ما كُتب في موضوعه، فقد بيَّن فيه مؤلفه ﵀ مفهوم النبوة، والمعجزة، والكرامة، وذكر الفرق بينها، وبين خوارق السحرة والكهان ومدّعي النبوة والولاية وأشباههم من أصحاب الأحوال الشيطانية.
وقد عرض ﵀ موضوع النبوة في شقّين:
أورد في الأول منهما: منهج أهل السنة في النبوات، من خلال عرض أقوالهم.
وردّ في الثاني منهما: على المخالفين في النبوة؛ من المنكرين، وأهل البدع، والفرق الضالّة، وذلك من خلال ذكر أصول دينهم العقلية التي أصلوها مخالفة لأصول الرسول ﷺ.. وقد هدم تلك الأصول بمعوله، فانهارت بأصحابها بقوة الله وحوله.
وكتاب «النبوات» نادرٌ في بابه، بل لست مبالغًا إن قلت: لا يوجد لأهل السنة والجماعة كتابٌ على شاكلته ومنواله.
لذلك تظهر الحاجة إلى تحقيقه، والعناية به، وإبرازه في أحسن صورة.
وقد طبع هذا الكتاب طبعات عدّة، إلا أنه لم يلق من العناية التامة ما يليق به وبمؤلفه الذي أعدّه؛ فلم تُصحّح ألفاظه، أو تُوثّق نصوصه، أو يُفسّر غامضه، أو يُشرح مشكله.
لذلك شمّرت عن ساعد الجدّ، وبذلت في تحقيقه الجهد، وتوخّيتُ خدمة الكتاب مستعينًا بالرحمن، الذي هو ثقتي، وبه المستعان، وعليه التكلان.
1 / 9
وفي الختام: أحمد الله - تعالى - وأُثني عليه الخير كلّه، فله الفضل والنعمة والثناء الجميل الحسن، أحمده على توفيقه، وأشكره على تسهيله وتيسيره في إتمام تحقيق هذا الكتاب، فلولا إعانته لي لما استطعتُ إخراجه في هذه الصورة، ولولا تفضّله عليّ لما استطعت بذل ما بذلتُه من جهد، فله الحمد أولًا وآخرًا، وله الشكر ظاهرًا وباطنًا، أعانني على خدمته وتحقيقه، وتصحيحه وتوثيقه، حتى خرج في صورته هذه.
فهذا هو كتاب «النبوات» وهذا تحقيقي له، فإن وفقت وأصبتُ فمن الله وله الحمد والمنّة، وإن قصّرتُ أو أخطأتُ فذلك من نفسي، وعذري أني قد بذلت الوسع والطاقة.
ولئن فارقني الصواب في موضع، فإني لأرجو أن لا يفوتني الأجر من الله المطّلع على الضمائر، العالم بالسرائر، وهو سبحانه يغفر الزلّة، ويتجاوز عن التقصير والهفوة، إنّه جواد كريم، وهو بعباده رؤوف رحيم.
وإني لأستغفر الله وأتوب إليه من كلّ ذنبٍ وخطيئة.
وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيِّنا محمّد وعلى آله وصحبه.
1 / 10
أسباب اختياري لهذا الكتاب
تقدمت في ثنايا الصفحات السابقة دوافع كثيرة حدت بي إلى التشبّث بكتاب شيخ الإسلام «النبوات»، ولا شكّ أنّها حوافز على تحقيق هذا الكتاب الجليل.
وها أنا ذا أُجمل هذه الحوافز والدوافع، مع دوافع أُخرى في النقاط التالية:
١- إنّ كتاب «النبوات» من الكتب التي تُقرّر حقيقة النبوة، وتُبيِّن مفهومها وفق منهج سلفنا الصالح ﵏ وتردّ على المخالفين - شأنه في ذلك شأن كتب شيخ الإسلام ﵀ الأخرى التي تُقرّر عقيدة السلف الصالح، وتردّ على من خالفهم، فهو من الكتب السلفية المهمة التي لا يُستغنى عنها.
٢- كون مؤلفه ﵀ من كبار علماء السلف المشهود لهم بالسبق، والرسوخ في العلم في أصول الدين وفروعه، وله قدم صدق، وجهاد وصبر ومصابرة في نصرة الحقّ.
٣- كثرة العبارات الغامضة، والألفاظ الصعبة، والموضوعات الشائكة التي يصعب فهمها في هذا الكتاب، فهو بحاجة إلى خدمة لتوضيح عباراته وشرح ألفاظه.
وهذا قد لمستُه بنفسي من بعض طلبة العلم المهتمِّين بكتب هذا الإمام، إذ صرّحوا أنهم يجدون صعوبة في الاستفادة منه، بخلاف كتبه الأخرى.
1 / 11
٤- ندرة الكتب المؤلفة في النبوات، وطرق إثباتها، والردّ على المخالفين، على منهج السلف الصالح - رحمهم الله تعالى.
لذا فإنّ إخراج هذا الكتاب العظيم في صورة طيبة يسدّ ثغرة كبيرة، ويُثري المكتبة الإسلامية، لما فيه من بيان سبيل المؤمنين، وتحذيرٍ من طرق الضالّين.
ولقد قرأت كتبًا، ورسائل أُلّفت حول موضوع النبوات، والمعجزات، والكرامات، فوجدتُ أكثر ما فيها نقولات من كتب المخالفين، سلّم الناقل منها بها، وظنّها من أقوال أهل السنة والجماعة. وما ذلك إلاّ لانتشارها، وكثرتها، وشهرة مؤلفيها. مع ندرة الكتب المؤلفة على منهج أهل السنة والجماعة.
وكتاب شيخ الإسلام ﵀ هذا - يردّ على أمثال هذه الأقوال، ويُحذّر منها، ويُناقش أصحابها، ويُبيِّن أنّ هذه الأقوال بُنيت على أصول تُخالف دين الرسول ﷺ.
٥- إنّ أقوال من ردّ عليهم شيخ الإسلام ﵀ تعالى لا زالت تعشعش بين أظهرنا، ولا زال محبّوها ومعتنقوها يعملون على إذكاء نارها، وإبقاء سعيرها.
ولا ريب أنّ إخراج هذا الكتاب في صورة طيبة يُساعد على إطفاء هذه النّار وإخماد جذوتها، أو وقف انتشارها.
واللهً أسأل أن يجعل خدمتي له ذُخرًا يوم ألقاه، وأن يغفر لمؤلفه، ويُحسن عاقبته ومثواه.
1 / 12
الخطة التي سرت عليها
شرعتُ بالعمل في هذا الكتاب مستعينًا بالله تعالى - وهو خير معين - وقد قسمتُ العمل إلى قسمين:
القسم الأول: الدراسة.
وفيه ثلاثة مباحث:؟
المبحث الأول: مدخل لدراسة موضوع الكتاب، وما أُلِّف فيه.
وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: حقيقة النبوّة.
المطلب الثاني: الحكمة من بعث الرسل.
المطلب الثالث: وظائف الرسل.
المطلب الرابع: أقوال الناس في النبوّة.
المطلب الخامس: الإيمان بالأنبياء ركن من أركان الإيمان.
المطلب السادس: الإسلام دين جميع الأنبياء.
المطلب السابع: المعجزات.
المطلب الثامن: ما أُلِّف في النبوات.
المبحث الثاني: التعريف بالمؤلّف.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حياة المؤلف الشخصية.
1 / 13
وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: اسمه ونسبه.
المسألة الثانية: ولادته، ونشأته، وأسرته.
المسألة الثالثة: صفاته الخَلقيّة.
المسألة الرابعة: صفاته الخُلُقيّة.
المطلب الثاني: حياة المؤلف العلمية.
وفيه سبع مسائل:
المسألة الأولى: نشأته العلمية.
المسألة الثانية: أبرز شيوخه.
المسألة الثالثة: أشهر تلاميذه.
المسألة الرابعة: أشهر مؤلفاته.
المسألة الخامسة: اهتمام الشيخ بالتأليف في جانب العقيدة.
المسألة السادسة: علماء توقعوا الذيوع والانتشار لكتب شيخ الإسلام ﵀ بعد موته.
المسألة السابعة: الأيام الأخيرة لشيخ الإسلام، ووفاته.
المبحث الثالث: دراسة الكتاب.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التعريف بالكتاب.
وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: تحقيق اسم الكتاب، وتوثيق نسبته إلى مؤلفه، وتاريخ تأليفه.
1 / 14
المسألة الثانية: سبب تأليف الكتاب. وفيه ترجمة موجزة للباقلاني، وتعريف بكتابه "البيان".
المسألة الثالثة: منهج شيخ الإسلام ﵀ في كتابه.
المسألة الرابعة: مصادر المؤلف في كتابه.
المطلب الثاني: التعريف بالمخطوط، ووصفه، وعملي في الكتاب.
القسم الثاني: تحقيق نصّ الكتاب.
ثمّ الفهارس.
1 / 15
كلمة شكر وتقدير
أحمد الله ﷾ على توفيقه، وأشكره على إعانته على إتمام هذا العمل، فله الحمد حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يُحبّ ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
وانطلاقًا من قول الرسول ﷺ: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"١، فإني أتقدم بالشكر الجزيل، والعرفان الجميل إلى الجامعة الإسلامية، ممثلة بمديرها معالي الدكتور صالح بن عبد الله العبود.
كما أتقدم بالشكر والثناء إلى القائمين على كلية الدعوة وأصول الدين، وإلى رئيس قسم العقيدة فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد السحيمي، على ما أبدوه من عناية بالعلم وطلابه، سائلًا الله العليّ القدير أن يُثيبهم أحسن الإثابة، ويجزيهم خير الجزاء.
كما أنه من الواجب عليّ أن أتقدّم بفائق التقدير والاحترام، ووافر الثناء والشكر، وعظيم المودّة والامتنان إلى فضيلة شيخي وأستاذي، فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد بن عطية بن علي الغامدي الذي أحاطني برعايته، وأولاني اهتمامه طيلة عشر سنوات أشرف عليّ خلالها في رسالَتَي الماجستير والدكتوراه، كان فيها نعم المعلم والموجّه والمؤدّب؛ أحسن معاملتي، واهتمّ بي، وصبر عليّ، وأتحفني بتوجيهاته، وجاد عليّ بملاحظاته القيّمة التي كان لها أكبر الأثر في إظهار هذا الكتاب بمظهره الذي هو عليه. فأسأل الله الحيّ القيوم أن يجزيه أفضل ما جزى معلمًا عن
_________
١ أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢/٢٩٥، ٣٠٢. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ١/١٥٨.
1 / 16
تلاميذه، وأن يُثيبه عني حسن الثواب في الدارين، ويجعل ذلك في ميزان حسناته، إنه جواد كريم.
كما أشكر جميع من أسدى إليّ نصحًا، أو مشورة، راجيًا من الله أن يجزيهم الجزاء الحسن.
وفي الختام: أرجو من الله العليّ القدير أن يعمّنا بدعوة شيخ الإسلام ﵀ والتي كان يُكرّرها دائمًا١، وهي قوله: "فنسأل الله العظيم أن يهدينا إلى صراط مستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيّين والصديقين والشهداء والصالحين الذين عبدوه وحده لا شريك له، وآمنوا بما أرسل به رسله، وبما جاءوا به من الآيات، وفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغيّ والرشاد، وطريق أولياء الله المتقين وأعداء الله الضالّين والمغضوب عليهم، فكان ممّن صدّق الرسل فيما أخبروا به، وأطاعهم فيما أمروا به، ولا حول ولا قوة إلا بالله"٢.
وكان يقول ﵀: "اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر بنا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، اللهم اجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك أوّاهين، لك مخبتين، إليك راغبين، إليك راهبين، لك مطاويع. ربنا تقبل توباتنا، واغسل حوباتنا، وثبت حججنا، واهد قلوبنا، واسلل سخيمة صدورنا"٣.
كما يقول ﵀: "فنسأل الله العظيم أن يجعلنا من المتبعين له، المؤمنين به، وأن يحيينا على سنته، ويتوفانا عليها، لا يفرق بيننا وبينها،
_________
١ انظر: الجواب الصحيح ٢/٣٣٥. ومجموع الفتاوى ١٩/٢٧٩.
٢ النبوات ص ٥٤١.
٣ الأعلام العلية للبزار ص ٣٩-٤٠. وقال البزار: "كان غالب دعائه".
1 / 17
إنه سميع الدعاء، وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه الطيبين الطاهرين"١.
_________
١ مجموع الفتاوى ١٩/١٠٥.
1 / 18
الباب الأول
المبحث الأول: مدخل لدراسة موضوع الكتاب وما ألف فيه
المطلب الأول: حقيقة النبوة
...
المطلب الأول: حقيقة النبوّة.
النبوة واسطة بين الخالق والمخلوق في تبليغ شرعه وسفارة بين الملك وعبيده، ودعوة من الرحمن الرحيم ﵎ لخلقه ليُخرجهم من الظلمات إلى النور، وينقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
فهي نعمة مهداة من الله ﵎ إلى عبيده، وفضل إلهيّ يتفضّل بها عليهم. هذا في حقّ المرسَل إليهم.
أما في حقّ المرسَل نفسه، فهي امتنان من الله يمنّ بها عليه، واصطفاء من الربّ له من بين سائر النّاس، وهبة ربانيّة يختصّه الله بها من بين الخلق كُلّهم.
والنبوة لا تنال بعلم ولا رياضة، ولا تدرك بكثرة طاعة أو عبادة، ولا تأتي بتجويع النفس أو إظمائها كما يظنّ من في عقله بلادة.
وإنّما هي محض فضل إلهيّ، ومجرّد اصطفاء ربانيّ، وأمر اختياريّ؛ فهو جلّ وعلا كما أخبر عن نفسه: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة، ١٠٥] .
فالنبوة إذًا لا تأتي باختيار النبيّ، ولا تنال بطلبه.
ولذلك لما قال المشركون: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ
1 / 19
عَظِيمٍ﴾، أجابهم الربّ ﵎: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ [الزخرف، ٣٠-٣١] .
فالله تعالى هو الذي يقسم ذلك، ويتفضّل به على من يشاء من النّاس، ويصطفي من يشاء من عباده، ويختار من يشاء من خلقه. ما كانت الخيرة لأحدٍ غيره، وما كان الاجتباء لأحدٍ سواه.
والإيمان بالنبوة هو الطريق الموصل إلى معرفة الله ومحبّته، والمسلك المفضي إلى رضوان الله وجنّته، والسبيل المؤدي إلى النجاة من عذاب الله، والفوز بمغفرته.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى: "والإيمان بالنبوة أصل النجاة والسعادة، فمن لم يُحقّق هذا الباب اضطرب عليه باب الهدى والضلال، والإيمان والكفر، ولم يُميّز بين الخطأ والصواب"١.
وحاجة العباد إلى الإقرار بالنبوّة أشدّ من حاجتهم إلى الهواء الذي يتنسمونه، وإلى الطعام الذي يأكلونه، وإلى الشراب الذي يشربونه؛ إذ من فقد أحد هؤلاء خسر الدنيا، أما من عدم الإقرار بالنبوة فخسارته أشدّ وأنكى، إذ خسر الدنيا والآخرة - عياذًا بالله تعالى.
قال شيخ الإسلام ﵀: ودلائل النبوّة من جنس دلائل الربوبية، فيها الظاهر والبيِّن لكلّ أحد؛ كالحوادث المشهودة؛ فإنّ الخلق كلّهم محتاجون إلى الإقرار بالخالق، والإقرار برسله" ٢.
ولا شك أنّ معرفة الله، والإيمان به، وعبادته، ومعرفة رسوله، وطاعته، يحتاجها كلّ مخلوق مكلّف.
_________
١ النبوات ص ٦١١-٦١٢.
٢ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ٥/٤٣٥.
1 / 20
ومن حكمة الله تعالى أنّه كلّما كان الناس إلى معرفة شيء أحوج، فإنّه - جلّ وعلا - يجعله سهلًا ميسّرًا غير ذي عِوَج١.
ولحاجة الناس إلى معرفة النبوة، والإقرار بالرسول، فقد وضّحها المولى - جلّ وعلا - في كتابه توضيحًا أعظم من أن يُشرح في هذا المقام، إذ الشرح يطول.
يقول شيخ الإسلام: "فتقرير النبوات من القرآن الكريم أعظم من أن يُشرح في هذا المقام، إذ ذلك هو عماد الدين، وأصل الدعوة النبوية، وينبوع كلّ خير، وجماع كلّ هدى"٢.
ولشيخ الإسلام ﵀ كلام رائع نفيس يُجمل فيه ما قُدّم بيانه، يقول فيه: "فإنّ الله - سبحانه - جعل الرسل وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم ما ينفعهم وما يضرّهم، وتكميل ما يُصلحهم في معاشهم ومعادهم، وبعثوا جميعًا بالدعوة إلى الله، وتعريف الطريق الموصل إليه، وبيان حالهم بعد الوصول إليه.
فالأصل الأول يتضمن إثبات الصفات والتوحيد والقدر، وذكر أيام الله في أوليائه وأعدائه، وهي القصص التي قصّها على عباده، والأمثال التي ضربها لهم.
والأصل الثاني يتضمن تفصيل الشرائع، والأمر والنهي والإباحة، وبيان ما يُحبّه الله وما يكرهه.
والأصل الثالث يتضمن الإيمان باليوم الآخر، والجنة والنار، والثواب والعقاب.
وعلى هذه الأصول الثلاثة مدار الخلق والأمر، والسعادة والفلاح موقوفة عليها، ولا سبيل إلى معرفتها إلا من جهة الرسل، فإنّ العقل لا يهتدي إلى
_________
١ انظر: درء تعارض العقل والنقل ٩/٦٦،، ١٠/١٢٩.
٢ شرح الأصفهانية ٢/٦٠٦.
1 / 21
تفاصيلها ومعرفة حقائقها، وإن كان قد يُدرك وجه الضرورة إليها، من حيث الجملة، كالمريض الذي يُدرك وجه الحاجة إلى الطبّ ومن يُداويه، ولا يهتدي إلى تفاصيل المرض وتنزيل الدواء عليه.
وحاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطبّ؛ فإنّ آخر ما يقدر بعدم الطبيب موت الأبدان، وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها مات قلبه موتًا لا تُرجى الحياة معه أبدًا، أو شقي شقاوة لا سعادة معها أبدًا. فلا فلاح إلا باتباع الرسول"١.
ويقول أيضًا ﵀: "والنبوة مشتملة على علوم وأعمال لا بدّ أن يتصف الرسول بها، وهي أشرف العلوم، وأشرف الأعمال. فكيف يشتبه الصادق فيها بالكاذب"٢.
_________
١ مجموع الفتاوى ١٩/٩٦-٩٧.
٢ شرح الأصفهانية ٢/٤٧٧.
المطلب الثاني: الحكمة من بعث الرسل ١- الأنبياء والرسل هم صفوة الخلق، ومصطفوا الحقّ، وحاجة الخلق إليهم ماسّة ليبلّغوهم ما يُحبّه الله ويرضاه، وما يغضب منه ويأباه. وكثير من العصاة والمنحرفين ضلّوا في متاهات الشقاوة. هذا مع وجود الأنبياء ﵈ فكيف تكون الحال لو لم يُرسل الله تعالى رسلًا مبشرين ومنذرين. فالرسل بُعثوا يُهذّبون العباد، ويُخرجونهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ويُحرّرونهم من رقّ عبودية المخلوق، إلى حرية عبادة رب الأرباب الذي أوجدهم من العدم، وسيفنيهم بعد الوجود، ويبعثهم بعد
المطلب الثاني: الحكمة من بعث الرسل ١- الأنبياء والرسل هم صفوة الخلق، ومصطفوا الحقّ، وحاجة الخلق إليهم ماسّة ليبلّغوهم ما يُحبّه الله ويرضاه، وما يغضب منه ويأباه. وكثير من العصاة والمنحرفين ضلّوا في متاهات الشقاوة. هذا مع وجود الأنبياء ﵈ فكيف تكون الحال لو لم يُرسل الله تعالى رسلًا مبشرين ومنذرين. فالرسل بُعثوا يُهذّبون العباد، ويُخرجونهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ويُحرّرونهم من رقّ عبودية المخلوق، إلى حرية عبادة رب الأرباب الذي أوجدهم من العدم، وسيفنيهم بعد الوجود، ويبعثهم بعد
1 / 22
الفناء، ليكونوا إما أشقياء، وإما سعداء.
فلو تُرك الناس هملًا دون إنذار وتخويف، لعاشوا عيشة ضنكًا، في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وعادات منحرفة، وأخلاق فاسدة، مجتمعُ غاب القويّ فيهم يأكل الضعيف، والشريف فيهم يذلّ الوضيع، وهكذا.. فاقتضت حكمته جلّ وعلا أن لا يخلق عباده سُدى، ولا يتركهم هملًا،
قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ [القيامة، ٣٦] .
ومن رحمته - جلّ وعلا - بهم أن منّ عليهم إذ بعث فيهم رسلًا مبشرين ومنذرين يتلون عليهم آيات ربهم، ويُعلّمونهم ما يصلحهم، ويُرشدونهم إلى مصدر سعادتهم في الدنيا والآخرة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.
٢- إن الغاية العظمى التي أوجد الله الخلق لأجلها هي عبادته، وتوحيده، وفعل محابّه، واجتناب مساخطه، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات، ٥٦] .
ولا يستطيع الإنسان أن يعرف حقيقة العبادة؛ من فعل ما يُحبّه الله ويرضاه، وترك ما يكرهه الله ويأباه، إلا عن طريق الرسل الذين اصطفاهم الله من خلقه، وفضّلهم على العالمين، وجعلهم مبرّئين من كلّ عيب مشين، وكلّ خلق معيب، وأيّدهم بالمعجزات والحجج والبراهين، وأنزل عليهم البيّنات والهدى، وعرّفهم به، وأمرهم أن يدعوا الناس إلى عبادته وحده حقّ العبادة.
٣- إقامة الحجة على البشر بإرسال الرسل، كما قال تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء، ١٦٥]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء، ١٥]، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾ [طه، ١٣٤] .
1 / 23
فالله - سبحانه - وتعالى أرسل الرسل؛ ليقطع دابر الكافرين، فلا يعتذروا عن كفرهم بعدم مجيء النذير، وليعلم علم ظهور، وإلا فهو تعالى يعلم - بالعلم الأزلي - من يطيعه ممن يعصيه، وليقيم على عباده الحجة الدامغة، فيحيى من حيَّ عن بيّنة، ويهلك من هلك عن بيان وبرهان.
٤- إن الناس لا يدركون بعقولهم كثيرًا من الغائبات؛ مثل معرفة أسماء الله وصفاته، ومعرفة الملائكة والجن والشياطين، ومعرفة ما أعدّ الله للطائعين في دار رضوانه وكرامته، وما أعدّ للعاصين في دار سخطه وإهانته.
لذا فإنّ حاجتهم إلى من يعلّمهم هذه الحقائق، ويُطلعهم على هذه المغيّبات ضرورية.
وقد امتدح الله تعالى عباده الذين يؤمنون بالغيب، فقال تعالى: ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة، ١٣] .
فلو لم يبعث الله الرسل، لما عرف الناس هذه الأمور الغيبية، ولما آمنوا إلا بما يُدركونه بحواسّهم.
فسبحان الخلاق العليم الذي منّ على عباده ببعثة الأنبياء والمرسلين.
٥- الخلق بحاجة إلى القدوة الحسنة، ممن كمّلهم الله بالأخلاق الفاضلة، وعصمهم من الشبهات والشهوات النازلة.
والأنبياء هم نبراس الهدى، ومصابيح الدجى، يقتدي بهم الخلق، ويتخذون من سيرتهم وحياتهم قدوة يسيرون على منوالهم حتى يصلوا إلى دار السلام، ويحطّوا رحالهم في ساحة ربّ الأنام.
فالرسل هم قدوة الأتباع، والأسوة الحسنة لمن أطاع، في العبادات، والأخلاق، والمعاملات، والاستقامة على دين الله.
1 / 24