ثالثًا: النبوة عند المعتزلة والشيعة:
يذهب المعتزلة إلى أنّ إرسال الرسل واجبٌ على الله ﷾ بناءً على أصلهم في التحسين والتقبيح العقليين. ولذلك يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي: "قال مشيختنا: إن البعثة متى حسنت وجبت" ١.
وقد ردّ عليهم شيخ الإسلام ﵀ وبيَّن أنّ إرسال الله تعالى لرسله هو بفضله سبحانه. وكما أن هدايته لهم بفضله، فكذلك الثواب والجزاء هو بمنته وفضله، وإن كان أوجب ذلك على نفسه، كما حرّم الظلم عليها.
قال تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام، ٥٤]، وقال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم، ٤٧] .
فهو واقع لا محالة، وواجب بحكم إيجابه ووعده؛ لأنّ الخلق لا يوجبون على الله شيئًا، أو يُحرّمون عليه شيئًا، بل هم أعجز من ذلك، وأقلّ من ذلك، وكلّ نعمة منه فضل، وكلّ نقمة منه عدل٢.
أمّا عن موقف المعتزلة من النبوّة: هل هي صفة ثابتة قائمة بنفس النبيّ، أو صفة إضافية؟
فيُؤكّد شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ أنّهم يجعلونها صفة ثبوتية.
يقول شيخ الإسلام ﵀: "وكثير من القدرية المعتزلة والشيعة وغيرهم من يقول بأصله في التعديل والتجوير، وأنّ الله لا يُفضّل شخصًا على شخص إلا بعمله، يقول: إنّ النبوّة، أو الرسالة جزاء على عمل متقدّم؛ فالنبيّ فَعَلَ من الأعمال الصالحة ما استحقّ به أن يجزيه الله بالنبوة" ٣.
_________
١ شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار ص ٥٦٤.
٢ انظر مجموع الفتاوى ٨/٧٢-٧٣.
٣ منهاج السنة النبوية ٢/٤١٥.
1 / 33