240

فيه الناس: ولم يهاجر حتى مات في مكة (1) والله يعلم بواطنه (307). على أن لرسول الله كلمة قالها لثلاثة: أبي محذورة، وأبي هريرة، وسمرة بن جندب، حيث أنذرهم بقوله آخركم موتا في النار (308). وهذا اسلوب حكيم من أساليبه صلى الله عليه وآله في اقصاء المنافقين عن التصرف في شؤون الاسلام والمسلمين، فانه صلى الله عليه وآله لما كان عالما بسوء بواطن هؤلاء الثلاثة أراد أن يشرب في قلوب امته الريب فيهم، والنفرة منهم، اشفاقا عليها ان تركن إلى واحد منهم في شئ مما يناط بعدول المؤمنين وثقاتهم، فنص بالنار على واحد منهم وهو آخرهم موتا، لكنه صلى الله عليه وآله أجمل القول فيه على وجه جعله دائرا بين الثلاثة على السواء، ثم لم يتبع هذا الاجمال بشئ من البيان وتمضي الايام والليالي على ذلك، ويلحق صلى الله عليه وآله بالرفيق الاعلى ولا بيان، فيضطر أولى الالباب من امته إلى اقصائهم جميعا عن كل أمر يناط بالعدول والثقات من الحقوق المدنية في دين الاسلام، لاقتضاء العلم الاجمالي ذلك بحكم القاعدة العقلية في الشبهات المحصورة، فلولا أنهم في وجوب الاقصاء على السواء لاستحال عليه - وهو سيد الحكماء - عدم البيان في مثل هذا المقام. فان قلت: لعله صلى الله عليه وآله بين هذا الاجمال بقرينة خفيت علينا بتطاول المدة.

---

(1) كل ما نقلناه هنا عن أبى محذورة موجود في ترجمته من الاستيعاب بهامش الاصابة وغيرها وهو مما لا خلاف فيه (منه قدس). (307) الاستيعاب بهامش الاصابة ج 4 / 179 ط 1. (308) كما في ترجمة سمرة من الاستيعاب والاصابة وغيرهما (منه قدس). الاصابة ج 2 / 79، الاستيعاب لابن عبد البر بهامش الاصابة ج 2 / 78.

--- [223]

Page 222