119
وكنت أستحليه واستجليه، إذا حصل الاجتماع بيني وبين أبيه، فأكثر - وهو معذور - من الوجد عليه، فكتبت على سبيل التعزية إليه:
برغمي أن أعنف فيك دهرًا ... قليلًا فكره بمعنفيه
وأن أرعى النجوم ولست فيها ... وأن أطأ التراب وأنت فيه
الدنيا مد الله في عمرك وصبرك، ومحى آية الحزن من صحيفة صدرك، دار تمكر بسكانها، وتغدر بأهلها وجيرانها. كم أفنت قرونًا، وأسخنت بالبكاء عيونًا، ونثرت عقدًا، وأضرمت وقدًا، وأخلقت جديدًا، وأخذت من والد وليدًا، وفرقت شمل الأحباب، وألبست الأتراب أردية التراب:
وكم قد روعت قلبًا ... وساقت نحوه حزنا
وملت بعد أن مالت ... وأذوت بالردى غصنا
ولا كغصن دوحك الرطيب، وزهرة روضك الخصيب، الذي عز فقده، وهتك ستر المدامع بعده، وأحيا بموته الأسف، وشوى الأكباد على جمر التلف. ياله زائرًا ما سلم حتى ودع، وهاجرًا خشع القلب لصده وتصدع، وطفلًا ذهب مبرأ من الذنوب والأوزار، وعصفورًا طار إلى الجنة وتركنا نتقلب في تلهب النار، ودينارًا أولعت بصرفه أيدي الزمان، ودرة نقلها الدهر إلى صدف الأكفان، وهلالًا عاجله الخسوف قبل الإبدار، ونجمًا أخفاه إسفار صبح الأقدار:

1 / 120