وقد قال إدنجتن
Eddington
برأي مخالف إلى حد ما، وإن كان يسير في نفس الاتجاه؛ فهو يرى أن الكون الصغير المقفل، الذي يملؤه غاز متوهج، يمكن أن يدوم وقتا طويلا؛ وبذلك يكون في حالة اتزان، على خلاف كرة الغاز المعلقة في كون لا نهائي، غير أنه لا يكون في حالة توازن ثابت من حيث إن أبسط اضطراب يحدث فيه يؤدي إلى بدء حركة تمدد، تفضي إلى التطور الذي يدوم اثني عشر ألف مليون من السنين، وهو التطور الذي تقول به قوانين الفيزياء الفلكية. ومن الممكن إثبات أن عدم الاستقرار الذي يشير إليه هذا الفهم، هو نتيجة للمعادلات النسبية. وبعد فترة التطور يصل الكون مرة أخرى إلى حالة التوازن، ولكنه يكون ميتا؛ نظرا إلى التدهور الديناميكي الحراري. وهذا معناه أن التوازن ثابت، وأن الاضطرابات البسيطة لا تستطيع أن تؤدي إلى بدء أي تغير هام. والواقع أن هذه الصورة مشابهة إلى حد يدعو إلى الدهشة لنظرية ديمقريطس وأبيقور في الذرات التي ظلت تتحرك بانتظام في الفضاء زمنا لا متناهيا، حتى حدث اضطراب بسيط، أدى عن طريق سلسلة من ردود الأفعال إلى تحويل الحركة المنتظمة إلى خليط مضطرب، تطورت منه التركيبات المعقدة لعالمنا. ويبدو أن الفيزياء القائلة باللاتحدد تقبل افتراض أبيقور الذي يقول بحدوث اضطراب بسيط لا سبب له، وهو الافتراض الذي قوبل في كثير من الأحيان بهجوم من أنصار الحتمية الدقيقة؛ فميكانيكا الكوانتم خليقة بأن تنظر إلى الغاز الأول على أنه يتعرض لتقلبات تحكمها قوانين الصدفة، وليس ثمة صعوبة في افتراض أنه قد مر وقت طويل قبل أن تنتج الصدفة حالة متغيرة تبلغ من الضخامة حدا يكفي لبدء التمدد في الكون. فالتخلي عن الحتمية يجعل من الممكن تصور بداية للتطور لا تكون خلقا، وإنما تكون نتاجا للصدفة. وتتميز تلك البداية بأنها متدرجة؛ لأن الانتقال من التغيرات التي تحدث بالصدفة إلى الاضطراب (الذي يبدأ به التطور) مستمر، ولا يمكن أن يعزى إلى نقطة زمنية معينة.
وهناك أيضا احتمال لحل مختلف كل الاختلاف؛ فدراسة الترتيب الزمني قد أفضت بنا إلى النتيجة القائلة إن اتجاه الزمان مستمد من عدم قابلية العمليات الديناميكية الحرارية للانعكاس؛ وهو بالتالي مسألة إحصائية (انظر الفصل العاشر). ومن المحتمل جدا - وإن لم يكن من المؤكد على نحو مطلق - أن الطاقة تسير في خط هابط من أشكال أعلى إلى حالة من الحرارة المتجانسة؛ وعلى ذلك فإن هذا المسار الهابط للكون هو مسألة إحصائية، وليس من المستحيل أن تحدث عمليات عكسية، وأن يسير الكون في مسار صاعد وقتا ما. والواقع أن العبارة «وقتا ما» في هذه الجملة معنى مشكوك فيه؛ لأنه إذا كان الكون يتجه في مسار صاعد، فإن ما نسميه باتجاه الزمان يكون اتجاها عكسيا؛ وعندئذ ينظر البشر الذين يعيشون في فترة كهذه إلى هذا الاتجاه العكسي على أنه اتجاه «الصيرورة». والواقع أن هذا الاحتمال الذي نشير إليه، والذي تصوره بولتسمان
Boltzmann
لا يعني أقل من أنه لا يوجد تعاقب زمني في خط واحد بالنسبة إلى الكون بأسره، وإنما ينحل الزمان إلى خيوط متفرقة، لكل منها ترتيب متسلسل، على حين أنه لا يوجد زمان أعلى يمكن ترتيب الخيوط ذاتها على أساسه. فالزمان في كل خيط يستنفد نحو كلا الطرفين، دون أن ينتهي في نقطة فاصلة محددة المعالم، وكأنه نهر يصب في صحراء. وقد يكون الامتداد الزمني الذي يعزوه الفلكيون إلى كوننا، من ألفي مليون سنة في الماضي إلى عشرة آلاف مليون سنة في المستقبل قد يكون واحدا من هذه الخيوط الزمنية . والواقع أنه لم تجر أبحاث كثيرة حول طبيعة هذا الزمان المتقطع، ولكن ليس من شك في أنه يمدنا بأحد الأشكال الممكنة لحل مشكلة الزمان.
وبهذه المناسبة، فمن الواجب الربط بين رأي إدنجتن في بداية العالم بدوره وبين مثل هذا التحليل للزمان؛ فكما يقول إدنجتن، فإن فترة التطور هي وحدها التي يمكن، تبعا لهذا الرأي ، أن تعد ذات زمان، أما فترتا التوازن الطويلتان قبل هذا الخيط الزماني وبعده فلا يمكن أن يقال إن لهما ترتيبا زمنيا؛ لأنهما لا تمثلان عملية غير قابلة للانعكاس؛ وعلى ذلك فليس ثمة فارق كبير بين النظر إليهما على أنهما متناهيتان أو على أنهما لا متناهيتان. فالقول بأنهما متناهيتان، والسؤال عما كان قبل الفترة الراكدة الأولى، أو ما سيكون بعد الثانية؛ يعني استخدام زمان أعلى
Supertime . رأينا من قبل أن من المستحيل تعريفه على نحو ذي معنى. ويبدو أنه ليس ثمة سبب لوصف الكون على أساس مقياس زماني لا متناه، هو على أية حال صيغة رياضية أكثر منه نتيجة يؤيدها الواقع الفيزيائي. فمن الممكن دائما تفسير الظواهر الملاحظة على أساس خيط زماني متناه، يمتد من حالة لا زمانية إلى أخرى دون نقطة بداية أو نقطة نهاية محددة المعالم.
هذه بعض الإجابات الممكنة للسؤال عن أصل الكون. أما الإجابة الحقيقية فسوف يقررها العلم يوما ما. وما زال الجدل يثور حول مشكلة الكون الذي هو مقفل ولكنه متمدد؛ إذ إن الأدلة الفلكية المتوافرة بشأنها الآن ليست قاطعة، ولا بد للوصول إلى حل من انتظار مواد مستمدة من الملاحظة، تزيد بكثير عما هو موجود.
2
Unknown page