والعوام - أبقاك الله - إذا كانت نشرا فأمرها أيسر، ومدة هيجها أقصر. فإذا كان لها رئيس حاذق ومطاع مدبر، وإمام مقلد، فعند ذلك ينقطع الطمع، ويموت الحق ويقتل المحق. فلولا أن لهم متكلمين، وقصاصا متفقهين، وقوما قد باينوهم في المعرفة بعض المباينة، لم يلحقوا بالخاصة، ولا بأهل المعرفة التامة. ولكنا كما نخالفهم نرجوهم، وكما نشفق منهم نطمع فيهم.
ثم قد علمت ما كنا فيه من إسقاط شهادات الموحدين وإخافة علماء المتكلمين. ولولا الكلام لم يقم لله دين، ولم نبن من الملحدين، ولم يكن بين الباطل والحق فرق، ولا بين النبي والمتنبي فصل، ولا بانت الحجة من الحيلة، والدليل من الشبهة.
ثم لصناعة الكلام مع ذلك فضيلة على كل صناعة، ومزية على كل أدب. ولذلك جعلوا الكلام عيارا على كل نظر، وزماما على كل قياس. وإنما جعلوا له الأمور وخصوه بالفضيلة لحاجة كل عالم إليه، وعدم استغنائه عنه.
Page 285