211

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

فلما سمعوا ذلك علموا أن الأمر قد نزل بهم، فانفضت جنودهم وتفرقت جموعهم، وولت كتائبهم يتراكضون، وأخذهم السيف، فحصدا أجمعين. وقد ذكر أن في قصة هلكهم قال الله عز وجل من قائل: " فما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون " .

منازل حضورا

وقد تنوزع في ديارهم والموضع الذي كانوا فيه: فمن الناس مم رأى أنهم كانوا بأرض السماوة، وأنها كانت عمائر متصلة ذات جنان ومياه متدفقة، وذلك بين العراق والشام إلى حد الحجاز، وهي الآن ديار خراب براري وقفار، ومنهم من رأى أن ديارهم كانت بلاد جند قنسرين إلى تل ماسح إلى خناصرة إلى بلاد سورية، وهذه المدن في هذا الوقت مضاف إلى أعمال حلب من بلاد قنسرين من أرض الشام.

قال المسعودي: وقد أتينا على جمل من أخبار العرب الماضيه والباقية، وقد كان قبل ظهور الإسلام للباقى منهم مذاهب وآراء في النفوس وتغول الغيلان والهواتف والجن، وسنورد جملا منها منفرعة على حسب ما يقتضيه شرط الاختصار في هذا الكتاب، وعلى حسب ما نمي إلينا من أخبارهم، واتصل بنا من آثارهم، وذكره الناس من آرائهم، عن الفاني والباقي منه، إن شاء الله تعالى.

ذكر ما ذهب إليه العرب في النفوس والهام والصفر وغير ذلك من مذاهب الجاهلية في النفوس والمرء

الاختلاف في النفس

كانت للعرب مذاهب في الجاهلية في النفوس، وآراء ينازعون في كيفياتها: فمنهم من زعم أن النفس هي الدم لا غير وأن الروح الهواء الذئ في باطن جسم المرء منه نفسه، ولذلك سموا المرأة منه نفساء، لما يخرج منها من الدم، ومن أجل ذلك تنازع فقهاء الأمصار فيما له نفس سائلة إذا سقط في الماء: هل ينجسه لم لا؛ وقال تأبط شرأ لخاله الشنفرى الأكبر وقد سأله عن قتيل قتله - كيف كانت قصته؛ فقال: ألجمته عضبا فسالت نفسه سكبا، وقالوا: إن الميت لا ينبعث منه الدم ولا يوجد فيه، بدأ في حال الحياة، وطبيعته طبيعة الحياة والنماء مع الحرارة والرطوبة؛لأن كل حي فيه حرارة و رطوبة، فإذا مات بقي اليبس والبرد، ونفيت الحرارة، وقال ابن براق من كلمة:

وكم لاقيت ذا نجب شديد ... تسيل به النفوس على الصدور

إذا الحرب العوان به استهامت ... وحال، فذاك يوم قمطرير

وطائفة منهم تزعم أنه - النفس طائر ينبسط في جسم الإنسان، فإذا مات أو قتل لم ينزل مطيفا به متصورا إليه في صورة طائر يصرخ على قبره مستوحشا، وفي ذلك يقول بعض الشعراء وذكر أصحاب الفيل:

سلط الطير و المنون عليهم ... فلهم في صدى المقابر هام

لأن هذا الطائر يسمونه الهام، والواحدة هامة، وجاء الإسلام وهم على ذلك حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا هام ولا صفر " .

ويزعمون أن هذا الطائر يكون صغيرا، ثم يكبر حتى يصير كضرب من البوم وهي أبدا تتوحش وتصدع، وتوجد أبدا في الديار المعطلة والنواويس، وحيث مصارع القتلى وأجداث الموتى.

ويزعمون أن الهامة لا تزال على ذلك عند ولد الميت في محلته بفنائهم،لتعلم ما يكون بعده فتخبره به، حتى قال الصلت بن أمية لبنيه:

هامي تخبرني بما تستشعروا ... فتجنبوا الشنعاء والمكروها

وفي ذلك يقول في الإسلام توبة في ليلى الأخلية:

ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني جندل وصفائح

سلمت تسليم البشاشة، أوزقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح

وهذا من قولهم يدل على أن الصدى قد ينزل إلى قبورهم ويصعد ومن ذلك ماروي عن حاتم طيىء مما سنورد خبره في هذا الكتاب.

أتيت لصحبك تبغي القرى ... لدى حفر صدحت ه أمه ا

وسنذكر هذا الشعر في أخبار الحجاج بن يوسف مع ليلى الأخيلية من هذا الكتاب، وقد قيل: إن هذه الأبيات لغير توبة في غير ليلى، وهذا كثير في أشعارهم ومنثور كل أمه م وسجعهم وخطبهم، وغير ذلك من محاورا تهم.

تنقل الأرواح

وللعرب وغيرهم من أهل الملل ممن سلف وخلف كلام كثير في تنقل الأرواح وقد أتينا على مبسوط ذلك في كتابنا المترجم بسر الحياة وكتاب الدعاوى وبالله التوفيق.

ذكر أقاويل العرب في الغيلان والتغول وما لحق بهذا الباب

رأيهم في الغول

Page 230