Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وأحرف الجمل على أسماء هؤلاء الملوك، وهي التسعة والعشرون. حرفا التي يدور عليها حساب الجمل، وقد قيل في هذه الأحرف غيرما ذكرنا من الوجوه، على حسب ما قدمنا في هذا الكتاب، وليس كتابنا، موضعا لما قاله الناس فيها، وتنازعوا في تأويلها والمراد بها، وكان أبجد ملك مكة وما يليها من الحجاز، وكان هوز و حطي ملكين ببلاد وج، وهي أرض الطائف وما اتصل بذلك من أرض نجد، وكلمن وسعفص وقرش ملوكا بمدين، وقيل: ببلاد مصر، وكان كلمن على ملك مدين، ومن الناس من رأى أنه كان ملكا على جميع من سمينا مشاعا متصلأ على ما ذكرنا.
عذاب يوم الظلة
وإن عذاب يوم الظلة كان في ملك كلمن منهم، وأن شعيبا دعاهم فكذبوه، فوعدهم بعذاب يوم الظلة، ففتح عليهم باب من السماء من نار، وانحاز شعيب بمن آمن معه إلى الموضع المعروف بالأيكة، نحو مدين، فلما أحس القوم بالبلاء واشتد عليهم الحر وأيقنوا بالهلاك طلبوا شعيبأ ومن آمن معه وقد أظلتهم سحابة بيضاء طيبة النسيم والهواء لا يجدون فيها ألم العذاب، فأخرجوا شعيبا ومن آمن معه من موضعهم وأزالوهم عن أماكنهم وتوهموا أن ذلك ينجيهم مما نزل بهم فجعلها الله عليهم نارا، فأتت عليهم فرثت حارثة بنت كلمن أباها فقال وكانت بالحجاز:
كلمن هدم ركني ... هلكه وسط المحله
سيد القوم أتاه الحتف نارا تحت ظله
كونت نارا، وأضحت ... دار قومي مضمحله
وفي ذلك يقول المنتصر بن المنذر المديني:
ألا يا شعيب قد نطقت مقالة ... أتيت بها عمرا وحي بني عمرو
وهم ملكوا أرض الحجاز و أوجها ... كمثل شعاع الشمس في صورة البدر
ملوك بني حطي وسعفص ذي الندى ... وهوز أرباب البنية والحجر
وهم قطنوا البيت الحرام ورتبوا ... خطورا وساموا في المكأرم والفخر
ولهؤلاء الملوك أخبار عجيبة من حروب وسير، وكيفية تغلبهم على هذه الممالك وتملكهم عليها، وإبادتهم من كان فيها وعليها قبلهم من الأمم، قد أتينا على ذكرها فيما تقدم من كتبنا في هذا المعنى مما كتابنا هذا منبه عليها وباعث على درسها.
حضورا وتنازع الناس في أنسابهم
وأما بنو حضورا وكانت أمة عظيمة ذات بطش وشدة، فغلبت على كثير من الأرض والممالك، وقد تنازع الناس فيهم: فمنهم من ألحقهم بمن ذكرنا من العرب البائدة ممن سمينا، ومنهم من رأى أنهم من ولد يافث بن نوح، وقيل في أنسابهم غير ما ذكرنا من الوجوه، وقد كان الله عز وجل بعث إليهم شعيب بن مهدم بن حضورا بن عدي نبيا ناهيا عما كانوا عليه، وهذا غير شعيب بن نويل بن رعويل بن مر بن عنقاء بن مدين بن إبراهيم الخليل صاحب مدين المتزوج ابنته موسى بن عمران المقدم ذكره، وبينهما مئون من السنين، وقد كان بين موسى بن عمران وبين المسيح ألف نبي، ولما بعث إلى حضورا، واشتد كفرهم جد نبيهم شعيب بن مهدم في دعائهم وخوفهم وتوعدهم، فقتلوه من بعد ظهور معجزات كانت له ودلائل أظهرها الله على يديه تدل على صدقة وتثبت حجته على قومه، فلم يضيع الله دمه، ولم يكذب وعيده، فأوحى الله تعالى إلى نبي كان في عصره - وهو برخيا بن أخبيا بن زنائيل بن شالتان - وكان من سبط يهوذا بن إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام - أن يأتي بختنصر - وكان بالشام - وقيل: غيره من الملوك، فيأمره أن يغزو العرب الذين لا أغلاق، لبيوتهم، فلما أتى برخيا ذلك الملك قال له الملك: صدقت، لي سب ليال أومر في نومي بما ذكرت، وأنادي بمجيئك إلي، وأبشر بخطابك ويقال لي ما أمرتني به، وأن أنتصر للنبي المقتول الفديد المظلوم فسار إليهم في جنوده وغشي دارهم في عساكره، وصاح بهم صائح من السماء وقد استعدوا لحربه من حيث عم الصوت جميعهم، وهو يقول:
سيغلب قوم غالبوا الله جهرة ... وإن كايدوه كان أقوى وأكيدا
كذاك يضل الله من كان قلبه ... مريضا ومن والى النفاق وألحدا
Page 229