176

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

أما الشام فسحب وآكام، وريح وغمام، وغدق وركام، ترطب الأجسام، وتولد الأحلام، وتصفي الألوان، لا سيما أرض حمص فإن تحسن الجسم، وتصفي اللون، وتبلد اللهم، وتنزح غوره، وتجفي الطبع، وتذهب بماء القريحة، وتنصب العقول، والشام - يا أمير المؤمنين، وإن كانت على ما وصفت لك - فهي مسرح خصب، ووابل سكب، كثرت أشجاره، واطردت أنهاره، وغمرت أعشاره، وبه منازل الأنبياء، والقدس المجتبى، وفيه حل أشراف خلق الله تعالى من الصالحين والمتعبدين، وجباله مساكن المجتهدين والمنفردين.

مصر

وأما أرض مصر فأرض قوراء غوراء، ديار الذراعنة، ومنازل الجبابرة، تحمد بفضل نيلها، وذمها أكثر من حمدها، هواؤها راكد، وحرها زائد، وشرها وارد، تكدر الألوان، وتخبب الفطن وتكثر الإحن وهي معدن الذهب والجوهر والزمرد والأموال، ومغارس الغلات، غير أنها تسمن الأبدان وتسود الأبشار، وتنمو فيها الأعمار، وفي أهلها مكر ورياء، وخبث ودهاء وخديعة، إلا أنها بلد مكسب لا بلد مسكن؛ لترادف فتنها، واتصال شرورها.

اليمن

وأما اليمن فيضعف الأجسام، ويذهب الأحلام، ويذهب بالرطوبة، في أهله همم كبار، ولهم أحساب وأخطار، مغايضه حصبة، وأطرافه جدبة، وفي هوائه انقلاب، وفي سكانه اغتيال، وبهم قطعة من الحسن، وشعبة من الترفه و فقرة من الفصاحة.

الحجاز

وأما الحجاز فحاجز بين الشام واليمن والتهائم، هواؤه حرور، وليله بهفور، ينحف الأجسام، ويجفف الأدمغة، ويشجع القلوب، ويبسط الهم، ويبعث على الإحن وهو بلد محل قحط جدب ضنك.

المغرب

وأما المغرب فيقسي القلب، ويوحش الطبع، ويطيش اللب ويذهب بالرحمة، ويكسب الشجاعة، ويقشع الضراعة، وفي أهله غدمر، ولهم خبث ومكر، ديارهم مختلفة، وهممهم غير مؤتلفة، ولديارهم في آخر الزمان نبأ عظيم، وخطب جسيم، من أمر يظهر، وأحوال تبهر.

العراق

وأما العراق فمنار الشرق، وسرة الأرض وقلبها، إليه تحادرت المياه، وبه اتصلت النضارة، وعنده وقف الاعتدال، فصفت أمزجة أهله، ولطفت أذهانهم، واحتدت خواطرهم، واتصلت مسراتهم، فظهر منهم الدهاء، وقويت عقولهم، وثبتت بصائرهم، وقلب الأرض العراق وهو المجتبى من قديم الزمان وهو مفتاح الشرق، ومسلك النور ومسرح العينين، ومدنه المدائن وما والاها ولأهله أعدل الألوان، وأنقى الروائح، وأفضل الأمزجة، وأطوع القرائح، وفيهم جوامع الفضائل، وفوائد المبرات، وفضائله كثيرة؛لصفاء جوهره، وطيب نسيمه، واعتدال تربته، وإغداق الماء عليه، ورفاهية العيش به.

الجبال

وأما الجبال فتخشن الأجسام وتغلظها، وتبلد الأفهام وتقطعها، وتفسد الأحلام، وتميت الهمم؛لما هي عليه من غلظ التربة، ومتانة الهواء، وتكاثفه، واختلاف مهابه، وسوء متصرفاته.

والأخلاق والصور - يا أمير المؤمنين - تناسب البلد وتحاذيه، وتقاربه، وتوافقه وتضاهيه، وكل بلد اعتدل هواؤه، وخف ماؤه، ولطف غذاؤه - كانت صور أهله وخلائقهم تناسب البلد وتحاذيه، وتشاكل ما عليه أركانه، وما أسس عليه بنيانه وكل بلد يزول عن الاعتدال، انتسب أهله إلى سوء الحال.

خراسان

وأما خراسان فتكبر الهام؛ وتعظم الأجسام؛ وتلطف الأحلام، ولأهلها عقول وهمم طامحة؛ وفيهم غوص وتفكير؛ ورأي وتقدير.

فارس

وأما بلد فارس فخصب الفضاء، رقيق الهواء، متراكم الماء، معتم بالأشجار، كثير الثمار، وفي أهله شح، ولهم خب ؛ وغرائزهم سيئة، وهمهم دنيئة، وفيهم مكر وخداع.

خوزستان

وأما بلاد خوزستان فهي كدرة الأهواء ، تفسد الأحلام، وتبلد الإفهام، وتخبث الهمم، وتستأصل الكرم، يساق أهله سوق الأنعم، وهم الهمج الطغام.

الجزيرة

وأما أرض الجزيرة فتناسب البر بالهواء اللطيف، وفيها خصب وسرج، ولأهلها بأس ومراس.

Page 194