173

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

قال المسعودي: ولما لم يبال من قدمنا ذكره تشريف النبط وتفضيلهم على ولد قحطان وعدنان وفيهم الفضل والشرف من النبوة والملك والعزة قال لهم المحتج عن قحطان ونزار: إذا كان النبط قد صاروا أفضل من العرب لما امتحن الله به النبط من سلبه النبوة منهم وأنعم على العرب بكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فللعرب أيضا التعلق بهذه العلة التي اعتل بها النبط، فتقول: قد صرنا بعد أفضل من النبط، لما امتحنا به من سلب ما جعل الله للنبط من الفضل في شدة امتحانهم بسلب النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، والنبط أيضا قد صاروا دون العرب، إذ للعرب من فضل النبي صلى الله عليه وسلم مما جعله الله لهم بتعريتهم من فضل النبط على شدة امتحانهم بتعرية الله إياهم من النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس للنبط، فتصير العرب أيضا خيرا من النبط، وهذا لا يصح لهم إلا كما يصح عليهم، والكلام متوتجه عليهم فيما قالوه، ومكافئ لعلتهم فيما أوردوه: من تفضيل النبط على العرب.

وقد ذكرنا تنازع الناس في الأنساب والفضل بها وبالأعمال دون الأنساب ومن قال العمل والنسب ومن قال العمل دون النسب، وما قالته الشعوبية وغيرها في كتابنا المقالات، في أصول الديانات.

وقد ذكر أبو الحسن أحمد بن يحيى في كتابه في الرد على الشعوبية عللا كثيرة، وذكر أن من اختصه الله تعالى من عباده، واصطفاه من خلقه، أذاك على طريق الثواب أم على طريق التفضيل؛ قال: إن زعم زاعم أن ذلك ثواب خرج من معقول كلام العرب ومفهوم خطابها؛لأنه لا يقال لمن أعطى الأجير أجرته ووفى العامل ثوابه: قد اختص فلان فلانا بعطيته، وإنما يقال ذلك إذا تطوع عليه بالعطية بغير عمل ومنعها غيره بغير جرم، وإن زعموا أنه تفضل قلنا لهم: فإذا جاز أن يصرف الله عز وجل رحمته إلى بعض خلقه بغير عمل استحقوها به، فلم لا يجوز أن يشرفهم بأنسابهم، وإن لم تكن الأنساب من أعمالهم. فإن قالوا: ليس من العدل أن يشرفهم بغير أعمالهم، قلنا لهم: رأيتكم إن عارضكم معارض؛فزعم أنه ليس من العدل أن يمن عليهم برحمته دون غيرهم بغير عمل كان منهم، وبغير معصية كانت من غيرهم، ماذا يكون الفصل بينكم معاشر الشعوبية وبينه، وقد أخبر الله عمن اصطفاه من خلقه فقال: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وال إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم " .

والواجب على في النسب الشريف، والمجد الرفيع، أن لا يجعل ذلك سلما إلى التراخي عن الأعمال الموافقة لنسبه، والاتكال على آبائه؛فإن شرف الأنساب يحضر على شرف الأعمال، والشريف بهذا أولى؛إذ كان الشرف يدعو إلى الشرف ولا يثبط عنه كما أن الحسن يدعو إلى الحسن ويحرك عليه وأكثر الممدوحين إنما مدحوا بأعمالهم دون أنسابهم، وهذا كثير في أشعار الناس ومنثور كل أمه م، وقد قال الشاعر في هاشم بن عبد مناف وهو إمام ذوي الأنساب:

عمر والذي هشم إلثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف

فمدحه بعمله، ولم يذكر نسبه، وإن كان شريفأ رفيعا، وإنما ينبغي لذي الأنساب أن يكونوا كما قال أخوهم وشريكهم في النسب عامر بن الطفيل:

وإني وإن كنت ابن سيد عامر ... وفي السر منها والضريح المهذب

فما سودتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب

ولكننني أحمي حماها، وأتقي ... أذاها، وأرمي من رماها بمقنب

وكما قال الأخر:

لسنا وإن كرمت أوائلنا ... يوما على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنا ... تبني، ونفعل كالذي فعلوا

ولاية خزاعة أمر البيت

Page 191